السجال المحلي وذكرى النكبة

مأساة الفلسطينيين ليست هي الأكبر، فداخل أوروبا حصلت عمليات تهجير ونزوح أضخم خلال الحروب المتوالية القومية والدينية. وكذلك في نزاعات شتّى في العالم وخصوصا أفريقيا. وبعد 62 عاما على النكبة تقدر المصادر الأجنبية عدد الفلسطينيين خارج فلسطين بحوالي 5 ملايين نسمة والتقديرات الفلسطينية أكثر من ذلك، لكن عدد اللبنانيين خارج لبنان يقدر بعشرين مليون نسمة! إنما العامل الفريد الذي يميّز قضية الفلسطينيين حتّى الآن هي أنهم مستمرون من دون وطن ودولة، بعكس كل الناس الذين يقيمون في بلد آخر ويحملون أو لا يحملون جنسيته.
وفي الأردن، يقيم أكثر من نصف الفلسطينيين المتواجدين خارج وطنهم، وأغلبيتهم مواطنون، لكن بسبب هذا العدد الكبير يتحول الأمر إلى مشكلة في هوية البلد ومستقبله لا يمكن تجاهلها أو الادّعاء بعدم وجودها، بما في ذلك المخاوف من "الوطن البديل"، لكن ليس بالضرورة أن تتفاقم المشكلة سلبيا وتنعكس في مشاعر وممارسات إقليمية وتفريقية، غير أن التمويه بالكلام الوطني العام لا يغيّر في الحقيقة على الأرض، بل يعني فقط رفع مستوى النفاق والتمويه على الحقيقة. التحدّي المطروح يتعلق بالخيارات العملية التي يجب التفكير فيها وتقديم حيثياتها بصراحة ومسؤولية.
دولة الفلسطينيين ستقوم على أرض الضفّة وغزّة شاء من شاء وأبى من أبى، ويجب تسريع عملية التعامل مع السلطة الفلسطينية بوصفها دولة، وبدلاً من جواز السنتين أو حتى الخمس من دون رقم وطني ومواطنة، فإنه أكرم ان يحمل الفلسطيني جواز وجنسية بلده ويأخذ هوية إقامة في الأردن تحمل ميزات إضافية على سواه من المقيمين العرب، مثل الحصول على رخصة القيادة والسيارة وحق التملك وبقية الحقوق الحياتية باستثناء تقلد المناصب العامّة والانتخاب والترشيح.
هذا يريح الأفراد ويحفظ الكرامة وتحتاجه البلد اقتصاديا، ولا يثير مخاوف سياسية مثلما لا يخيف وجود نصف مليون أو حتى مليون عراقي في الأردن. لما لا يتمّ التفاهم مع السلطة الفلسطينية على هذا مثلا؟ وكنت اقترحت في مقال سابق نشوء هيئة عليا أردنية فلسطينية لمعالجة هذه المواضيع والاتفاق عليها.
ولنأخذ أبناء غزّة كمثال ساطع. غزّة لا يريدها الإسرائيليون أصلا ومعظم الغزّيين في الخارج قد لا يعودون إليها لأنها تضيق بمن فيها، فلماذا يجب أن يعانوا إلى الأبد بصورة غير إنسانية، ولماذا لا يكونون مثل أي مهاجر مقيم خارج وطنه؟ لماذا لا يتمّ تصويب أوضاعهم بصورة كريمة، فيحملون الجنسية الفلسطينية، وهويّة الإقامة الخاصّة التي تحدثنا عنها، ولماذا أصلا يجب أن يبقى مخيم غزّة (جرش) كأسوأ مكان للحياة في العالم؟ ولماذا لا تتحمل (الأونروا) والسلطة الفلسطينية مسؤولية المساعدة في إنهاء هذا الوضع وتحسين حياة الناس. بل إن فكرة المخيمات كلها كعنوان للقضية تقادمت ولم يعد لها معنى.
المسألة، الآن، هي في الوضع الحقوقي للناس، والتخلص من أوضاع مهينة وغير كريمة، وعلى الأقلّ فإن كل الذين لا يحملون مواطنة أردنية يجب أن يحصلوا على جواز وجنسية فلسطينية مع هوية إقامة خاصّة يتساوى فيها الجميع، وتخلصنا من مشاكل إنسانية هائلة. هذا على الأقلّ في الجانب الأيسر والأوضح من القضية.