حتى أنت يا بكين!

بعد توقيع اتفاقيات سلام بين العرب واسرائيل خفقت على الفور أعلام الدولة العبرية في فضاءات عواصم كانت قد اتخذت مواقف مضادة للصهيونية ، وقال بعض هؤلاء ومنهم اشتراكيون أنهم لن يكونوا كاثوليكيين أكثر من البابا أو ملكية أكثر من ملك ، وحقيقة الأمر أن هناك شعوبا في عالمنا بدلت مواقفها ازاء الصراع العربي الاسرائيلي تبعا لما طرأ على هذا الصراع من أحداث جعلته ملتبسا ، بحيث ساهمت الميديا المتصهينة في تشويه المشهد وصورت العرب كما لو أنهم الطرف المعتدي والرافض للسلام.
واذا كان بعض العرب قد فوجئوا بما حدث في بكين مؤخرا وهو رفض التعامل مع القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين ، فذلك لسببين أولهما عدم متابعة تطور المواقف على صعيد دولي ، وثانيهما فلسفة النعامة الخرقاء التي ظنت بأن اخفاء الرأس في الرمال يقيها من سهام الصيادين ، وقد يكون موقف بكين مجرد حلقة في متوالية مضادة لمصالح العرب رغم ارتباطها بالنفط العربي الذي يشكل أكثر من تسعين بالمئة من حاجاتها الصناعية ، وقد يكون من حق بعض العرب أن يقولوا لبكين حتى أنت يا بكين ، ليس بروتوس الذي قلب ظهر المجن ليوليوس قيصر ، بل لأن تاريخ علاقتها بالقضية الفلسطينية لم يكن مرشحا للوصول الى هذا المنعطف ، ونذكر أن أول وفد فلسطيني زار الصين والتقى ماو تسي تونغ في تلك الأيام ، سمع من الرجل ما لا يخطر ببال أي عربي ، وهو أن ما وتسي تونغ استلهم تجربة عربية في فلسفة الثورة الصينية وكان يشير الى ثورة الريف المغربية التي قادها عبدالكريم الخطابي ، ذلك لأن الصين رفضت مبكرا أن تصنع الثورة بمن سماهم ماو تسي تونغ في حوار مع أندريه مالرو سائقي التاكسي والشاحنات في موسكو،.
وكان ماو تسي تونغ قد اصطحب مالرو الى منطقة ريفية بدت فيها جذوع الأشجار هزيلة وكأنها مصابة بالأنيميا ، والحقيقة هي أن الفلاحين أتوا على تلك الجذوع وبلعوا الجذور أيضا من فرط الجوع.
ان عربا يتخلون عن عروبتهم وبالتالي عن فلسطينهم وقدسهم ، عليهم أن لا ينتظروا من العالم أن يكون أشد حرصا منهم على قضاياهم ، فالتفريط أدى الى افراط دولي في الاستخفاف بالعرب ، لأن من لا يقف مع نفسه لن يقف الآخرون نيابة عنه ولن يدافعوا عن حقوقه اذا كان هو قد تخلى عنها طواعية.
اليوم بكين ، وغدا لا نعرف أي صديق أو حليف قديم سوف يقلب لنا ظهر المجن ، لأن بوصلتنا القومية أصابها العطب ، ولأن من لا يتعامل مع العالم من حوله باستراتيجية يقظة وحاسوب سياسي ذكي ، قد يجد نفسه اضاع كل شيء ، فهو براقش التي جنت على نفسها وأبنائها وأحفادها،.
ان للصين مصالح أساسية وحيوية مع العرب ، وكان يمكن استثمارها على غير هذا النحو الذي دفع بكين الى الدفاع عن اسرائيل،.