إعادة التفكير في الإصلاح

على الأغلب سيقر مجلس الوزراء قانون الانتخاب الجديد، بصيغته المؤقتة، في اجتماعه غداً الثلاثاء، بعد أن استكملت الحكومة التحضيرات الفنية واللقاءات مع نخبٍ من الإعلاميين والسياسيين.
الآن، أيّ نقاش عن قانون الانتخاب سيتّخذ طابعاً بيزنطيّاً، طالما أنّ الحكومة لم تستمع إلى أحد وأصرّت على الصيغة الحالية. ولم يعد من المفيد، على الأقل خلال المرحلة المقبلة، العودة إلى مناقشته، والأفضل أن يتم التركيز على سلامة العملية الانتخابية والإجراءات القانونية والفنية المصاحبة لها، حتى لا تتكرر مأساة انتخابات العام 2007.
بلا شك، فإنّ قانون الانتخاب كان سيشكّل مدخلاً أساسياً وحيوياً للإصلاح السياسي وتخليق الحياة الحزبية، في حال جرت عمليات جراحية عليه، تسمح بموضع قدم للأحزاب والتكتلات السياسية الوطنية، لكن ذلك لم يحدث.
ومع ذلك، فإنّ طموح الإصلاح لم ينته! فقانون الانتخاب ليس المفتاح الوحيد، وقد يكون أحد الأخطاء الأساسية التي وقعت فيها المعارضة العربية عموماً أنّها اختزلت الإصلاح السياسي بالانتخابات، ربما لأنّها الطريق الأسهل والأقصر.
الشواهد الواقعية، من الأمثلة العربية الأخرى، تؤكّد أنّ الانتخابات لا تشكّل بالضرورة "نقلة نوعية" للحياة السياسية، وليست بالضرورة رافعة للإصلاح المتكامل، بقدر ما تمثّل في حال نزاهتها ونجاحها أداة فاعلة في تطوير الثقافة السياسية وإنضاجها.
في المقابل، فإنّ الملاحظة الجوهرية اليوم تكشف عجز الدولة القُطرية العربية؛ إذ لم تعد قادرة على التكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية، بل يبدو المشهد العربي اليوم وكأنّنا أمام أنظمة تفتك بها المشكلات والأزمات.
وليس من الصعوبة اكتشاف أنّ أدوات الأنظمة العربية وأساليبها التي اعتمدتها خلال العقود السابقة، باتت جزءاً من المشكلة لا الحل. وانعكس ذلك على الأفراد والمجتمع، بما حمله من انهيارات كبرى للقيم المدنية والسياسية، ونكسات اقتصادية وتنموية وثقافية، ونكوصات اجتماعية.
ذلك، يدفع بالتيارات والنخب الإصلاحية إلى قراءة جديدة للحظة التاريخية وإعادة صوغ مشروع الإصلاح بجعل الجماعة الوطنية- الإصلاحية فرس الرهان فيه، ونقل بؤرة تركيزه واهتماماته من الحكومة والنخب إلى المجتمع والتعليم والإعلام والتنوير الثقافي..
أردنياً، "رُبّ ضارّةٍ نافعة"، فآمال الإصلاح لم تنته عند إغلاق الباب في قانون الانتخاب، بل هي تدفع إلى إعادة تعريف الإصلاح الذي نريد واستعادة أبعاده الأخرى، الثقافية والاجتماعية، وليس فقط السياسية.
آن الآوان لتجاوز النقاشات العقيمة، والسجالات السطحية والاختلافات المؤذية، فهنالك مهمات كبيرة تنتظر الجميع، ويمكن إتمامها، وهي ليست موضع خلاف عدمي لا يؤدي إلاّ إلى العطلة، أو مصدراً للجلبة الفارغة، التي تصدر الأصوات العالية، بلا أي وزن حقيقي .
الغد