اليهود لا الفلسطينيون... هدنة لا اعتراف...

اذا كان هناك من يفكر في الولايات المتحدة او اوروبا والعالم ان جوهر الصراع العربي الاسرائيلي يكمن في عدم اعتراف دولة العدو اليهودي بالفلسطينيين وحقوقهم السياسية الاساسية فقط, فعليه ان يراجع حساباته وقراءاته. فالمشكلة لم تكن يوما ولا يجوز ان تكون مشكلة الفلسطينيين وحقوقهم بل مشكلة وجود الدولة اليهودية النازية. كان الفلسطينيون مجرد ضحايا لهذه الدولة اما هدفها فهو صياغة الشرق الاوسط كله كبديل للوجود العربي القومي.
وبهذا المعنى فإن الحرب التاريخية مع دولة العدو النازي اليهودي هي حرب ضد وجود هذه الدولة لا من اجل بناء دولة صغيرة للفلسطينيين بجوارها, وهي حرب اجيال وحقب تستغرق ارادات وخيارات ومراحل طويلة.
ولذلك, سواء تم تفكيك بعض المستوطنات وقامت دولة فلسطينية بهذا الحجم او ذاك وسواء اعترفت الدولة اليهودية بعودة بعض الفلسطينيين او لم تسمح او وفرت لهم فرصة اخرى في بلد آخر. فالحرب مع هذا العدو حرب مفتوحة مستمرة ليس بوسع اية اتفاقية او معاهدة بل ليس بوسع اي دولة بكاملها ان توقفها فالمعاهدات والاتفاقيات مهما اكتسبت من قوة وبنية تحتية لا تصمد امام التمسك بقوانين التاريخ وارادته.
ولذلك اذا فكرت الولايات المتحدة وهذا مستحيل حتى الان او اية دولة في العالم بالبحث عن حل لأزمة الشرق الاوسط فعليها ان تتذكر ان المشكلة ليست في عدم وجود دولة للفلسطينيين بل في وجود دولة لليهود في فلسطين ولذلك ايضا وايام الحقبة القومية الناصرية بزعامة القاهرة وقبل ان يحولها السادات الى حقبة اسرائيلية ويلحق القاهرة والعرب فيها كان عبدالناصر يميز بين التكتيك والاستراتيجية ولا يمانع في هدنة طويلة مع العدو ولكنه يرفض تماما اي شكل من الاعتراف الاستراتيجي به حيث تلغي الناصرية نفسها كعنوان للحقبة القومية.
لقد وافق عبدالناصر على اشكال عديدة من القنوات السرية والعلنية من الكويكرز الى رسائل شاريت الى مبادرة روجرز 1969 ولكنه رفض قبل حزيران 67 وبعده اي اعتراف بالدولة اليهودية وحتى وهو يقبل مبادرة روجرز كان يحضر لمعركة العبور المجيدة.
وهو الدرس الذي التقطته حركة حماس مجددا نعم للهدنة, طويلة ام قصيرة, لا للاعتراف... ومما يبعث على السخرية والاشمئزاز معا ان نسمع من بعض الاصوات على المنابر اليسارية كلاما ساذجا وطفوليا ومشبوها ايضا عندما يحاولون التندر وبثقالة دم واضحة على شعار حماس (هدنة وعدم اعتراف) وقد نسوا او تناسوا ان معادلة التكتيك والاستراتيجية تنتمي الى قاموس فن السياسة المشتق من كتابات كلا وسفتز مقابل القاموس العدمي الذي لا يعترف بالايديولوجيا والاستراتيجيات الكبرى.
نعم لا تسمح موازين القوى الراهنة - الاقليمية والعربية الدولية, بترجمة الاستراتيجية العربية ضد الدولة اليهودية النازية ولكن شعار الهدنة معها لا ينطوي على اي اعتراف بها, ليس لأنها تقتل النساء والاطفال الفلسطينيين فيما يشبه سلوك اي مجرم عصابي مريض.. بل لأن هذا الاعتراف يعني التخلي عن حق العرب في بناء وجودهم القومي داخل التاريخ.. فمستقبل المنطقة هنا لا يتسع الا لمشروع واحد إما المشروع اليهودي النازي وسلسلة من الكانتونات الطائفية والاقليمية المتناحرة او المشروع القومي العربي الديموقراطي.
العرب اليوم