كيف يفكر "مطبخ القرار"؟!

تنشغل دوائر الدولة الرسمية و"مطابخ القرار"، حاليا، بتمرير قانون الانتخاب الجديد وتسويقه على الرأي العام باعتباره إنجازا تاريخيا!
المفارقة أنَّ النشاط الحكومي الحالي في تسويق القانون كان مفقودا خلال الفترات السابقة، عندما كان المشهد السياسي والإعلامي يمور بالبيانات والخطابات السياسية المتضاربة والمتعاكسة، التي تمسّ جوهر العقد الاجتماعي الداخلي، والأمن الأهلي، ما قاد إلى حالة من الغموض والتكهّن حول موقف مؤسسات الدولة المختلفة.
بل لا يعجز من يراقب المشهد الداخلي، خلال الفترة الأخيرة، أن يلحظ إرهاصات ومقدّمات لتغيرات أساسية على "البنية التحتية" للعبة السياسية بأسرها، وتحديداً في تحرّك قطاعات وشرائح اجتماعية عريضة جداً في المجتمع، كانت "راكدة" تقليديا، كالمعلّمين والمتقاعدين، بالتوازي مع ازدهار حركة الإضرابات والاحتجاجات العمّالية المطلبية، ما يحمل رياح "انقلاب" غير مرئي في بنية المشهد السياسي وحيثياته.
ذلك يعيدنا إلى "مفاصل" دقيقة في السجالات الراهنة. فالحكومة عندما صاغت القانون الجديد استحضرت المحددات التقليدية (هوية الدولة ونفوذ الإخوان المسلمين)، ولم تربط ذلك بالمحدّد الأهم والأخطر، الذي يطلّ برأسه من وراء الأزمة السياسية والاجتماعية، وهو تطوير الحياة السياسية وتحصين الجبهة الداخلية وتعزيز مضمونها السياسي والوطني، حتى تكون قادرة على "ملء الفراغ" وبناء شروط المعادلات الجديدة لمواجهة التحديات والتهديدات والتغيّرات التي طرأت على شروط اللحظة التاريخية.
هواجس المواطنين اليوم تتجاوز قانون الانتخاب والقدرة على تمريره "من دون إزعاج"، إلى السؤال: كيف يفكر "مطبخ القرار؟".. فيما إذا كان يمتلك قراءة دقيقة عميقة لطبيعة التحوّلات والخيارات الاستراتيجية السياسية للدولة، ويعمل وفقا لهذا النسق، ضمن مجموعة متكاملة من السياسات والاستراتيجيات، أم أنّ علينا أن نضرب في الرمل ونفتح في الفنجان حتى نُمسك بأي خيط يرشدنا فيما إذا كنا نسير بالاتجاه الصحيح، أم ندور حول أنفسنا أم نعود إلى الوراء بخطى متسارعة!
الأولوية الرئيسة اليوم، إذن، تتمثل في بناء خريطة طريق للمستقبل السياسي للبلاد، تحمل معالم واضحة للمواطن الأردني والنخب والجميع، تشير بأننا نقف على النقطة (أ) حالياً، ونريد أن نصل إلى (ب) بعد أربعة أعوام أو خمسة، وأنّ خياراتنا الاستراتيجية في حال قامت الدولة الفلسطينية تتمثل في الاحتمالات التالية، وفي حال لم تقم بالاحتمالات الأخرى!
خريطة الطريق هذه ستكفل إعادة بناء خطاب الدولة وفق رؤية جديدة ومتماسكة، وتجديد البنية التحتية للروافع السياسية للحكم، واستقطاب نخب الدولة المؤمنة بالرؤية الجديدة وتوضيح خطوط العقد الاجتماعي، والإجابة (في نهاية اليوم) عن سؤال محوري ورئيسي: هل نريد إصلاحا سياسيا أم لا؟ وما هي محدداته ومراحله؟
الغد