ابتداء اذا كان المبدع واحدا, فالمثقف متعدد..

وفيما ينتمي الاول الى عالم التداعيات العضوية, عالم الخزافين, والنقاشين والوراقين, ينتمي المثقف الى عوالم مختلفة, عوالم التأويل والادلجة واغواءات السلطة.
وفيما يبدو المبدع رعويا, شفهيا ومتحررا من الايديولوجيا, فان المثقف ايديولوجي الى حد كبير, وبالامكان احالة هذا الفرق تحديدا, الى الفرق بين لعبة الحدس والخيال وغرانيق اللاشعور الثاوية.. وبين اليقظة وادلجة الاحلام والاديان والطبقات, الحرية والاستبداد بوعي كامل.
المبدع حالة رعوية, كائن ليلي, قمري, جواب مثل ذئب السهوب والبراري, فيما المثقف كائن نهاري شمسي بيروقراطي, لا تخفي ميوله المتضاربة ورغبته الجامحة في التواطؤ مع الباب العالي.
ثمة شعراء ناموا في عباءات الاباطرة, لكنهم كانوا يشعلون نيرانهم سرا, كلما اشتد البرد في حناياهم وشرايينهم.. والفرق بينهم وبين أشد المثقفين الراديكاليين, انهم طلاب حانات آخر الليل اكثر مما هم طلاب نمارق وثارات في الساعة الرابعة صباحا.
ولمن شاهد اوزلا للمخرج الياباني اكيراساوا, فالعجوز البريء, ابن الغابة, وليس المثقف المتأنق المتحسب هو الذي قتل اخيرا, ما ان غادر اشجاره وذئابه كما مات انكيدو.
والعبرة ليست في النهاية ذاتها بين المدينة حيث المثقف, وبين الغابة, حيث اوزلا, بل في الانقسام الازلي, هابيل الراعي, بكر الاكباش, الحدس الذي يرن مثل جرس بريء, وقابيل الذي اصبح بلا ضمير ما ان اصبح عارفا ومثقفا الى حد ما..
وتتجلى اهمية التمييز بينهما, بالميل العفوي للانعتاق عند المبدع مقابل التأويل الايديولوجي عند المثقف والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم او التواطؤ مع هذا الشيطان في حظيرة الخنازير او الديكاميرون او حديقة الحيوانات او حديقة ماني في نيسابور.. والادق انه لا يترك الشيطان يسهب في اختباراته تحت شجرة التين او على ماء الجليل.. ولا يقول له لا تجرب الرب الهك..
يقول المبدع: انا الكرمة وابي الكرام اما المثقف فيشغله البستان.