قصة فشل بامتياز!

قد يبدو ما سأقوله اقرب الى الخيال السياسي او السوريالية الادبية ، لان سطح المشهد الان مضلل يبدو فيه الفلسطيني مطرودا ، ومحاصرا وفاقد الحول والقوة ، فيما يبدو بالمقابل الاسرائيلي منتصرا ومحققا لاحلامه.
ان عمق المشهد بخلاف هذا تماما فاسرائيل الان هي المحاصرة انسانيا واخلاقيا والضحية البليغة التي اسمعت صوتها الى الطرشان هي الظافرة ، لانها لم تتلمذ على جلادها او تتماهى معه ، انها الاطروحة النقيض والمضادة لمجمل ثقافته ، فهي عادلة وبصيرة وقادرة على استشراف المستقبل بعكسه ، لانه جائر واعمى ولا يرى ابعد من انف مستوطنته،.
ان ما اسمعه مرارا من مثقفين اوروبيين وامريكيين شبوا عن الطوق الصهيوني وتحرروا من استيطان العقل يدفعني الى تفاؤل قد يبدو اشبه بالسباحة ضد تيار القنوط الذي يجرفنا الان نحو قبر قومي جماعي هو المصب المقرر حسب استراتيجية اخر المحتلين وهو يذبل ويتساقط في خريفه.
التاريخ لم يبدأ البارحة ، ولم يبدأ في الخامس عشر من ايار او الخامس من حزيران كما انه لن يصل الى الخاتمة هذا المساء او غدا ، انه مفتوح على مصراعيه وبكامل جدليته الخالدة على كل الاحتمالات ، فما من هزيمة كاملة وما من انتصار كامل. وقد يكون استمرار التاريخ نتاجا منطقيا للنقصان في كل الهزائم والانتصارات.
ان نوبة السعار التي تعيشها اسرائيل الان ليس سببها فائض القوة كما يتوهم البعض لن يخلطون بين الكرّ والفرّ لان العيون كليلة والظلام دامس ، هذه النوبة سببها الشعور العميق بان المشروع ارتطم بواقع اشد صلابة منه ومن كل طقوسه وشعائره ، فالفلسطينيون هم الحقيقة الوجودية والفيزيائية والثقافية التي برهنت على فشل الرهان الابادي لمشروع الاستيطان ، ولعل هذا ما يؤرق الجنرال والحاخامات معا ، لان نموذج الهندي الاحمر لم يتكرر ، بحيث يصبح العربي هو الهندي الحنيطي او الاسمر تحت اطلال بيوته ومعابده.
ما سأقوله وقد يبدو خيالا سياسيا او سوريالية هو ان من حق اي فلسطيني لم يجد عشاءه الليلة في غزة او لم يجد علاج امه او حتى عكازا لطفله الذي بترت ساقه ان ينظر باستخفاف الى جلاده ، وكدت اقول ان يشفق عليه لان الانتصار الاخلاقي لا يكتمل الا بالشفقة.
من حق هذا الفلسطيني الاعزل من كل شيء الا ارادته وذاكرته القومية وحلمه الابدي ان يسخر من كل الميارات واوراق الفيتو وسائر التكاليف الباهظة لمشروع ابادته ، لانه عاش رغما عن عدوه وسيعيش حتما بفضل فائض قوة الروح والعدالة التي ان فقدت الضحية الاحساس بها تكون قد اصبحت استنساخا للقائل.
والحكم على ونجاح او فشل مشروع ما لا يتم بالمقارنة بين الاسلحة وادوات التعذيب فهناك معيار اخر يحتكم اليه العالم الان وبموجبه فان اسرائيل قصة فشل بامتياز،.