المسرح ومواسـمه

أثبت المخرج الأردني الفذ حكيم حرب مدير مديرية المسرح والفنون في وزارة الثقافة، مصداقية نظرية قديمة لا تخلو من دقة عالية مستمدة من الإرث الشعبي، تحكي ضرورة إعطاء الخبز لخبازه وذلك ضمانا لمعايير الحرفية والجودة، ولجدواها الكبيرة في التأسيس لأي مشروع مثمر. وتبدو الحاجة لهذه المعايير أكثر ضرورة حين يتعلق الأمر بالمشاريع الثقافية الطامحة إلى الاستمرار والتطور، ضمن خطة طويلة الأمد كفيلة بتفعيل الطاقات البشرية كافة، واستثمار الموارد المتاحة كافة، واعتماد مبدأ المشاركة والانفتاح مع جهات تحمل الهم والرسالة الحضارية نفسها.
ويعد حرب واحدا من أبرز المسرحيين الأردنيين الذين ساهموا في نهضة المسرح في الأردن، وهو صاحب الخبرة الطويلة والتجربة المتميزة في الإخراج المسرحي، ولديه سجل حافل من الأعمال المسرحية المهمة التي أثرت الخشبة الأردنية وقدمت صورة بالغة الإشراق عن المنجز الأردني المسرحي في المحافل العربية والدولية، حائزا العديد من الجوائز والتكريمات، وهو ابن الخشبة وربيبها الذي أخلص لها وتفانى في خدمتها من موقع اعتناقه العميق لأهمية أبي الفنون في ترسيخ حالة ثقافية فنية تتمتع بالحيوية والتنوع قادرة على التواصل والوصول والتأثر والتأثير على فئات واسعة من أفراد المجتمع مهتمة ومتعطشة لتذوق أشكال الفن والجمال. ويشهد الكثير من المهتمين بالشأن المسرحي بالمهارة الفائقة لهذا الفنان الأصيل في الإدارة والتنظيم والمتابعة، بغية الوصول إلى أفضل النتائج الممكنة. وذلك من خلال إصراره على تحقيق الانجازات، رغم كثرة التحديات والمعوقات التي من شأنها أن تصيب البعض باليأس والإحباط، في حين تستفز آخرين نحو مزيد من العناد والرغبة في انجاز الأفضل تطبيقا لمبدأ إداري ثبتت صحته على ارض الواقع، يؤكد إمكانية الإبداع في ظل الأزمات بشكل اكبر، ليصب كل ذلك في مشهد مسرحي أردني متقدم يبعث على الزهو والتقدير.
انطلق موسم الربيع المسرحي بمبادرة من وزارة الثقافة، وشراكة فعلية من نقابة الفنانين، التي كانت على الدوام حاضرة بقوة وساعية إلى النهوض بحال الفنان الأردني، رغم إمكاناتها المالية المحدودة. ولم تغب أمانة عمان ممثلة بمندوبتها مديرة البرامج الثقافية شيما التل عضو اللجنة الاستشارية العليا للمسرح كشريك استراتيجي مؤازر، من خلال تقديم ما أمكن من مساهمات لوجستية، بغية تمكين الفنان الأردني من تقديم منجزه في ظروف ملائمة.
عرض الموسم الربيعي العديد من التجارب المسرحية الأردنية المهمة التي لاقت إقبالا كبيرا، كما تميز هذا الموسم بالتركيز على الطفل، وذلك من خلال تقديم عروض مسرحية مهمة، وفقرات كرنفالية من موسيقى ورقص ورسوم على الوجوه تابعها الصغار بشغف كبير، حيث اصطف عدد كبير منهم في قاعة المركز الثقافي، حاصلين على رسمات أضفت على وجوههم الجميلة معنى الفرح وذلك قبيل دخولهم إلى المسرح لحضور عرض الدمى الشيق، متلقين دروسا مهمة في جدوى الفن والجمال، متفاعلين إلى درجة قصوى مع العرض الهادف متنافسين للصعود على خشبة المسرح والحصول على الهدايا الصغيرة.
موسم جميل واعد حققه اجتماع إرادة نخبة من المبدعين الحريصين على تأكيد حاجتنا صغارا وكبارا إلى الفرح كلما توفر إلى ذلك سبيلا. كل التقدير والامتنان لكل من ساهم في هذا الحدث المدهش. وتحية إلى حكيم حرب الذي أثبت لنا أن الربيع ممكن الحدوث رغم هجمة الصيف!
الغد