روسيا «الماكِرة».. التي تلعب بـِ «النار»

تم نشره الأحد 29 تشرين الثّاني / نوفمبر 2015 12:53 صباحاً
روسيا «الماكِرة».. التي تلعب بـِ «النار»
محمد خروب

ذيول وتداعيات حادث اسقاط السوخوي 24 الروسية، ما تزال تحتل صدارة الاحداث الدولية ويبدو ان «هوامش» مؤتمر المناخ الذي سيلتئم يوم غد في العاصمة الفرنسية، لن تمنح فرصة عقد لقاء «الوجه.. لوجه» الذي طلبه الرئيس التركي اردوغان من نظيره الروسي بوتين، حتى لو راجت شائعات مُبرمجة مصدرها أنقرة، بأن احتمال اللقاء بات وارداً ومسألة التوقيت هي التي ما تزال عالقة قبل اربع وعشرين ساعة من وصول الزعيمين الى باريس.

لم تصل العلاقات بين البلدين «بعد»، الى نقطة اللاعودة، وما تزال فرص تبديد الاحتقان واردة بالقدر ذاته الذي يمكن ان تذهب فيه الى القطيعة والتسخين «العسكري» المُترافق مع التراشق الاعلامي العنيف الذي ما يزال «يبرز» فيه اردوغان ويتفوق باستخدامه مصطلحات ذات بعد «وَعْظِي» تفوح منها رائحة الاستعلاء والمكابرة واخرى ذات منحى عسكري يحاول من خلالها ادعاء القوة وتقمص دور القادر على رد الصاع صاعين للدب الروسي، حيث الاخير ما يزال، حتى اللحظة، يُبدي قدراً لافتاً من ضبط الاعصاب والحذر في استخدام المصطلحات المُستفِزة ويواصل التزام مفردات وقواعد القانون الدولي «استناداً» الى اقوال القادة الأتراك انفسهم، الذين يدّعون (اردوغان وداود اوغلو) انهم لم يتقصدوا اسقاط الطائرة الروسية، وانهم لو عرفوا انها روسية لما اسقطوها ولتصرفوا بطريقة مغايرة (اردوغان).

نحن اذاً امام مواقف مُرتبِكة ومُتلعثِمة، ادركت متأخراً تهافت تبريراتها والمنطق الذي وقف خلف «تحليلاتها» التي ادت لاتخاذ قرار يفتقر الى الحكمة، في تعاطيها مع طائرة دولة تربطها بها علاقة جيدة (حتى لا نقول انها دولة عظمى لن تسكت بسهولة الى اهانة كهذه، ما بالك اذا كانت غير مبررة وانها في الاصل لم تخرق الاجواء التركية وحتى لو خرقتها، فليس ثمة داع لاسقاط طائرة استغرق خرقها «المزعوم» مجرد «17» ثانية فقط).

هنا والآن تحضر السياسة وطموحات التوسع والهيمنة التي لم تغادر احلام ارودغان وبخاصة في التواجد المباشر لقواته المسلحة وازلامه ومرتزقته من داعش والتركمان، وبعض السوريين الارهابيين في المنطقة الممتدة بين جرابلس وساحل البحر المتوسط، تُلاحقه في ذلك «الكوابيس» حيث يسعى كرد سورية الى ايجاد حلقة وصل بين المدن الحدودية الثلاث كوباني وجرابلس وعفرين ما يشكل جيباً (هل نقول امتداد لمنطقة الادارة الذاتية التي اعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي pyd؟).

اللافت في ما يجري بـ «تُرْكِياً» هو التناقض في المواقف المعلنة وانعدام فضيلة التريث والدبلوماسية الهادئة، وسيطرة السلوك الانفعالي على رئيس الجمهورية التركية الذي لم يترك لحكومته مهمة «قيادة» عملية لملمة تداعيات واكلاف «استعراض القوة» الذي لجأ اليه اردوغان باسقاط الطائرة العسكرية الروسية, فضلاً عن ان الرجل الذي «يطلب» لقاء الوجه لوجه مع بوتين, لا يزال يضرب (اعلامياً بالطبع) الكرملين تحت الحزام، مُستخدِماً الفاظاً ومصطلحات جارحة من قبيل «المكر الروسي» ودعم داعش والشركات الروسية التي تتاجر معه بالنفط وغيره، التي يريد من خلالها (كما يعتقد) تخويف الروس ومنعهم من اتخاذ قرارات «عِقابية» ستكون أكلافها السياسية على اردوغان باهظة, فضلاً عما سيلحق من اضرار على الاقتصاد والتجارة التركيين، ما سيُعجِّل بكشف فقاعة النمو الاقتصادي التي «خدّر» بها حزب العدالة والتنمية معظم الشعب التركي, لكن الارقام والنِسَب والمعطيات الطازجة التي يصدرها الصندوق والبنك الدوليان منذ ثلاث سنوات, تكشف عدم دقة أو لِنَقل مبالغة رموز الحزب الحاكم في الحديث عن النجاحات التي تحققها خططهم.

لسنا غافلين عن «مكر» روسيا التي تستخدم حادث الطائرة كمبرر لدعم نظام الاسد، قال اردوغان، في تجاهل مقصود أو استذكاء, وكأن موسكو التي جاءت بأساطيلها الجوية والبحرية علناً وفي وضح النهار وعبر مضيق البسفور, كانت في حاجة الى تبرير، كُلْفَتُهُ إسقاط إحدى طائرتها، التي وصفه بوتين «بأنه طعنة في الظهر من قبل شركاء الارهاب» كي تُعلن دعمها لنظام الاسد, ما يعني أنها لم تكن في حاجة الى وصايا ووعظ اردوغان الذي مضى قدماً في الادعاء بالقوة ورفع اصابع التحذير في وجه بوتين عندما قال: «نوصي روسيا – بكل صدق – الا تلعب بالنار».

هل ثمة مزيد يمكن ايراده للتأشير على حجم الورطة التي اوقع اردوغان نفسه وبلاده فيها, وهل بات الرجل يدرك انه بفعلته هذه, قد وضع نفسه (وبلاده) تحت الاضواء, كأكبر داعم للارهاب في الازمة السورية (والعراقية حتى لا ننسى كيف اطلق داعش الدبلوماسيين الاتراك وعائلاتهم بعد اجتياحها الموصل وهي لفتة داعشية «كريمة» لم تُقدِم عليها داعش ذات يوم حتى الان..فهل هو بلا ثمن حقاً؟).

في السطر الاخير: معظم العالم يُطالب الان باغلاق الحدود التركية السورية واردوغان يرفض, فيما يرد الروس الان والنظام السوري ايضاً, بعنف في جبال اللاذقية وريفها وخصوصاً جبل التركمان, فما الذي سيفعله اردوغان وماذا لو لم تعقد قمة باريس المُنتظرة مع بوتين؟ فهل لديه المزيد من «الاسلحة» والاوراق, كي يواجه هذه الضغوط التي لم تعد روسية فقط بل فرنسية والمانية وآخذة في التوسُع؟

.. الايام ستقول.

(الرأي 2015-11-29)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات