في ذكرى الاستقلال: "هل يوجد أردنيون"؟

لن أكون أردنيا في عدة حالات، لو أن الجمل الذي ركب عليه جدي قبل قرون تنشط ووصل إلى جغرافيا أبعد (بيروت مثلا؟) ولم يتوقف في معان. لو أنه قصَر واستقر في تبوك، أو لو أن معان والعقبة لم تنضما لإمارة شرق الأردن عام 1925، أو لو أن ضابطا إنجليزيا يعمل في رسم الخرائط وضعها خارج الحدود.
الحمد لله أن ذلك لم يحدث، وأنا فخور وسعيد لأنني أردني. واحتفلت بدعوة تيسير علوني في غرناطة على الغداء ابتهاجا باحتفالات الاستقلال. وما آلمني (قليلا!)، في تجوالنا في سوق قيساريا التاريخي، سؤال صاحب محل مصري يحمل الجنسية الإسبانية عن الأردن "هو في أردنيين"؟ وببراءة أضاف أن انطباعه هو أن البلد مكون من فلسطينيين وشيشان!
لم يستفزني خصوصا أنه كان يتحدث ببراءة ويوجه انتقادات لاذعة لمصر التي خرج منها غير آسف قبل عقدين، قال لي إن بلده رشيد على النيل ولا يجد السكان ماء للشرب، هل هذه بلد؟ لم يتحدث بشوفينية "مصر أم الدنيا"، وسألته عن الاندماج في البلد الجديد الذي حصل على جنسيته، خصوصا أنه متزوج في إسبانيا ضحك وقال "لم نندمج هم اندمجوا فينا".
قلت له إن الذي يقول لا يوجد أردنيون هم الصهاينة، الذين يريدون تصفية القضية الفلسطينية في الأردن، يوجد دولة أردنية مثل كل الدول التي صنعها الاستعمار. فآخر دولة بالمعنى التاريخي هي الدولة العثمانية، وما بعدها هو نتيجة ما خطه الاستعمار بريطانيا أم فرنسيا أم إسبانيا.
الهوية الفلسطينية لم تظهر إلا متأخرة بفعل التصدي للمشروع الصهيوني، قبلها كانت المنطقة من البحر إلى النهر بحسب أول مؤتمر لسكانها "جنوب سورية". وفي الوثائق البريطانية (شهادات ميلادنا) سميت فلسطين بهذا الاسم، وعندما استقل الأردن في 25-5-1946 لم تكن الوحدة قد تمت، وكانت تسمى الضفة الغربية في الوثائق البريطانية "شرق فلسطين"، وبعد الوحدة العام 1950 تحول الاسم إلى "الضفة الغربية"، وصار اسم المملكة "المملكة الأردنية الهاشمية".
عندما حصل اللاجئون الفلسطينيون على الجنسية الأردنية العام 1949، أي قبل الوحدة التي ضمت "شرق فلسطين"، اندمجت الهوية الفلسطينية مع الهوية الأردنية. وصار عندنا كتلة كبيرة من السكان لديهم هوية أخرى. وفي قرار الوحدة اعترف بتلك الهوية "الحقوق العربية في فلسطين"، لكن في نقاشات الدستور لم ينص عليها وخرج الحوار بهوية عربية "الأردن جزء من الأمة العربية".
المهم أن يحتفل الجميع بالاستقلال، ويشعر أنه مواطن في وطنه. قبل تأسيس الإمارة وفد الشركس والشيشان، وثمة عشائر لم تكن جزءا من الإمارة في أول قانون إشراف على البدو، وعشائر أخرى خرجت في ثاني قانون. هذا ينطبق على كل بلد عربي. التنوع في الأصول عامل إثراء لا انقسام طالما أننا جميعا "جزء من الأمة العربية".
في غرناطة أشعر بالفخر لأنني عربي، وأن صقر قريش عبد الرحمن الداخل أتى من الشام ليبني حضارة أنارت ظلمات أوروبا، وحزنت لأن أجدادي طردوا من هذه البلاد في أبشع عملية تطهير عرقي شهدها العالم قبل خمسة قرون. فخور ويؤلمني سؤال "هل يوجد عرب؟" أكثر مما يؤلمني " هل يوجد أردنيون ؟".
الغد