"غيتوات" القدس: الاحتلال يحوّل أحياء الفلسطينيين إلى سجون

تم نشره الإثنين 30 تشرين الثّاني / نوفمبر 2015 11:56 صباحاً
"غيتوات" القدس: الاحتلال يحوّل أحياء الفلسطينيين إلى سجون
صورة من حي جبل المكبر

المدينة نيوز - : بعد مضي نحو شهرين عل اندلاع "هبّة القدس"، والتي انطلقت شرارتها من البلدة القديمة والمسجد الأقصى، تحوّلت أحياء عديدة في مدينة القدس المحتلة إلى ما يشبه "غيتوات" (معازل) يحاصرها الاحتلال الإسرائيلي بمكعبات الإسمنت والحواجز الثابتة والطيارة، فيما أضيفت في بعض هذه الأحياء جدران من الإسمنت فصلت شوارعها عن بعضها، وعما جاورها، كما هو الحال في حي جبل المكبر، جنوب المدينة، الذي تصفه سلطات الاحتلال بأنه منبع المقاومة العنيفة ضدّها.

اقرأ أيضاً: المقدسيون يتحدّون الحصار باستخدام الحمير للتنقل

وأصابت إجراءات الاحتلال ضدّ العديد من الأحياء الفلسطينية، خصوصاً في جبل المكبر، والصوانة، ورأس العمود، والعيسوية، ومخيم شعفاط، النسيج الاجتماعي لنحو 100 ألف مقدسي يقطنون في هذه الأحياء، بضرر بالغ، ومسّت حقوقاً أساسية في التنقل والوصول إلى أماكن العمل، والمستشفيات، وحتى المدارس والمؤسسات التعليمية، كما يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، الذي يتابع مركزه بصورة يومية ما يجري في هذه الأحياء من انتهاكات.

ويلفت الحموري في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى زيادة بواقع 300 في المائة في هذه الانتهاكات والتي تصل شكاوى بخصوصها إلى المركز، وباتت متابعتها تتطلب جهوداً قانونية هائلة لا يقدر المركز وحده على متابعتها أو حتى توثيقها.

وكان مركز القدس الذي يديره الحموري تابع على مدى عقدين أو يزيد انتهاكات أساسية تعلقت بهدم المنازل، وسحب الإقامة من آلاف المقدسيين، إضافة إلى متابعة قضايا الحقوق الصحية والاجتماعية للعائلات المقدسية التي جردتها مؤسسة "التأمين الوطني الإسرائيلية" من تلك الحقوق بداعي الإقامة خارج الحدود البلدية المصطنعة من قبل الاحتلال.

ويقدّر الحموري عدد من تضرروا من هذه السياسة بنحو 30 ألف مقدسي فقدوا حق إقامتهم في مدينتهم وباتوا غرباء عنها، ومع فقدان هذا الحق أسقطت عنهم أيضاً حقوقهم الصحية في العلاج وكذلك حقوقهم الاجتماعية التي يدفعون مقابلها رسوماً مالية عالية منذ أن يبلغ المواطن المقدسي سن الثامنة عشرة.

بيد أن الجديد في هذه الانتهاكات ما فرضته سلطات الاحتلال من إغلاقات للأحياء المقدسية ومحاصرتها بجدار الفصل العنصري، ما تسبب بعزل نحو 125 ألف مقدسي عن مدينتهم، في حين تحولت الأحياء برمتها إلى "غيتوات" شُطر بعضها إلى قسمين، والبعض الآخر إلى أكثر من ذلك، كما هو الحال في بلدة شعفاط، وجبل المكبر، ومخيم شعفاط.

جبل المكبر

في حي جبل المكبر، جنوب البلدة القديمة من القدس، والذي انطلق منه خلال السنوات القليلة الماضية عدد من المقاومين أوجعوا الاحتلال بهجماتهم الفدائية ضدّ مستوطنين وجنود، يبدو المشهد أكثر مأساوية، من ناحية ما طُبّق من إجراءات تضمنت إغلاق شوارع رئيسية بالمكعبات الإسمنتية، ونصب حواجز تفتيش، وإقامة مقاطع من جدار الفصل، عزل أحدها الحي عن مستوطنة "أرمون هنتسيف" المقامة على أراضيه، وعزل تجمعات سكانية داخله عن بعضها.

وتقف هذه الإجراءات عوائق أمام حركة الانتقال إلى مدارس الحي ومراكزها الصحية، لنحو 30 ألفاً أو يزيد من سكان الحي، كما يقول راسم عبيدات، من هيئة العمل الوطني في القدس، وعضو اللجنة الأهلية للدفاع عن حقوق أهالي الحي، وأحد سكانه لـ"العربي الجديد"، ما دفع سكانه إلى البدء بحراك واسع، احتجاجاً على هذه الإجراءات العنصرية والفاشية، كما يصفها معظم سكان جبل المكبر.

المشهد اليومي عند مداخل الحي المغلقة، سواء تلك المفضية إلى مناطق "غزيل"، والعبيدية، والشيخ سعد، أو إلى تجمع المدارس، تعكس واقعاً مريراً من المعاناة، إذ يتعرض المواطنون إلى أعمال قمع وتنكيل يومية من قبل جنود الاحتلال. وقد يصل الأمر إلى حدّ أن يفقد مواطنون مرضى حياتهم عند تلك الحواجز، كما حدث مع المواطن نديم شقيرات الذي ارتقى قبل نحو 3 أسابيع شهيداً، بعدما أعاق جنود الاحتلال خروجه من الحي والوصول إلى المستشفى لتلقي العلاج من نوبة قلبية.

ولا تقتصر المعاناة على المرضى، خصوصاً كبار السن، بل تتعداهم إلى نحو 7 آلاف تلميذ وطالب جامعي يدرسون في مدارس الحي وينتقلون يومياً إلى مدارس وجامعات خارجه. ويمكن رؤية هؤلاء جميعاً يصطفون صباح وظهيرة كل يوم في طوابير طويلة أمام حواجز الاحتلال التي أقيمت قرب مكعبات الإسمنت، وعند نقاط التقاء الحي بأحياء مجاورة، ما يتسبب في كثير من الأحيان في اندلاع مواجهات تقمعها قوات الاحتلال بالرصاص المعدني والمطاطي.

حي الصوانة

ولا يختلف الحال كثيراً في حي الصوانة، إلى الشمال الشرقي من البلدة القديمة، حيث قطعت حواجز الاحتلال ومكعباته الإسمنتية حركة انتقال المواطنين إلى مدارس في الحي، وفي حي الطور المجاور. وتعترض حواجز الاحتلال وصول الحالات المرضية، ومنها حالات ولادة، إلى مستشفيي الهلال الأحمر للولادة النسائية، والمقاصد. وباتت سيارات الإسعاف التابعة للمستشفى تواجه صعوبات جمة في نقل المرضى إلى هذين المستشفيين، ما دفع بإدارة الهلال الأحمر إلى إصدار بيان ناشدت فيه الهيئات الدولية المختصة، خصوصاً الصليب الأحمر، إلى التدخل العاجل.

كما بات وصول مئات الطلبة الجامعيين إلى الكلية الجامعية الإبراهيمية متعذراً، إذ يتعرضون يومياً لأعمال تنكيل من قبل جنود الاحتلال عند الحاجز العسكري المنصوب قبالة مباني الكلية، كما يقول أحد الطلاب لـ"العربي الجديد"، ويدعى سامر النتشة، من سكان البلدة القديمة، والذي تعرّض مع اثنين من زملائه للضرب من قبل الجنود لمجرد احتجاجهم على منعهم من الوصول إلى كليتهم.

حي الطور

أما الحي الثالث والمتاخم للصوانة، فهو حي الطور، وقد تحول هو الآخر إلى "غيتو" فلسطيني جديد لا يبعد عن البلدة القديمة سوى مائة وخمسين متراً، وفيه يقع مستشفى المقاصد، ومبرّة الأميرة بسمة للمعاقين، وثلاث مدارس، إضافة إلى مقرات لجمعيات خيرية، بات وصول المواطنين إليها متعذراً لا سيما مع إغلاق شارع سلمان الفارسي، وهو أحد الشوارع الرئيسية في الحي.

وجميع هذه المراكز والمؤسسات كانت على مدى شهرين من "هبّة القدس"، هدفاً للاقتحام والتنكيل بالتلاميذ والمرضى، كما حدث مع مستشفى المقاصد الذي اقتحمته قوات الاحتلال خلال الأسابيع القليلة الماضية ثلاث مرات، واعتدت على طواقمه بالضرب والرش بغاز الفلفل، ومصادرة ملفات مرضى وأجهزة حاسوب، كما يشير إلى ذلك مدير عام المستشفى رفيق الحسيني، الذي وصف ما جرى بأنه استباحة لحرمة المستشفى، وتصرف فظ مدان.

حرية حركة للمستوطنين

في مقابل ذلك، يقول محمد الصياد، أحد مواطني الحي، لـ"العربي الجديد"، إن "المستوطنين سواء في البؤر الاستيطانية في الطور، أو في مستوطنة بيت أوروت في حي الصوانة حيث يقطن هناك أكثر من 500 مستوطن، يتمتعون بحرية الانتقال في الحيين دون أي عوائق وبحماية جنود الاحتلال، بل إن سلطات الاحتلال فتحت لهم منافذ التفافية للوصول إلى حيث يقيمون".

رأس العمود

ويعاني حي رأس العمود المتاخم لحي الطور من ناحيته الجنوبية، والمطل على البلدة القديمة من القدس، والمتصل جغرافيّاً مع بلدة سلوان، هو الآخر من أوضاع مشابهة ومعاناة يومية ضحيتها في الغالب تلاميذ المدارس الذين يُعتدى عليهم وعلى مدارسهم بصورة يومية، بالضرب، والرش بغاز الفلفل، وإطلاق الرصاص المطاطي والمعدني.

يقطن هذا الحي نحو 30 ألف مقدسي. وأقامت سلطات الاحتلال في وسطه مستوطنة جديدة خلال السنوات الأخيرة أطلقت عليها اسم "معاليه هزيتيم"، ودفعت بـ132 عائلة من المستوطنين المتطرفين إليها ليقطنوا في قلب هذا الحي، وبات العديد من مستوطنيه يشاركون جنود الاحتلال في الاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم، بل باتوا يتحكمون في حركة انتقال المواطنين، خصوصاً مع وجود المقبرة اليهودية بجوار حيهم، حيث يغلق الحي بالكامل كلما أرادوا دفن أحد موتاهم، أو زيارتها من قبل بعض الحاخامات، وفق ما قال لـ"العربي الجديد"، محمد شعبان، أحد سكان الحي، الذي يصف ما يجري منذ نحو شهرين بأنه ذروة القمع المُمارس من قبل الاحتلال ضد المقدسيين.

ويقول سائد أبو صوي، وهو من سكان الحي أيضاً، إن "القمع يتعدى الحواجز والاعتداء بالضرب إلى مخالفات شرطية ومداهمات ضريبية لأصحاب المحالات تأخذ في الغالب طابع الانتقام ليس إلا، وأينما تذهب يغلقونها بوجهك، ولم نعد قادرين على الوصول إلى بيوتنا، ومنعنا أبناءنا عن مدارسهم خوفاً عليهم".

هذا الواقع من "الغيتوات" الفلسطينية في قلب ما يحلمون بها عاصمة لدولتهم في أي تسوية سياسية، بدّد حلمهم، وبات همهم الأساس أن يتخلصوا من أبغض احتلال لمدينتهم، كما يقول المتحدث باسم حركة "فتح" في مخيم شعفاط، ثائر الفسفوس، وعضو لجنة المتابعة في بلدة العيسوية، محمد أبو الحمص، لـ"العربي الجديد".

لقد حوّلت سلطات الاحتلال مخيم شعفاط والعيسوية إلى أكبر غيتوين شمال القدس المحتلة، حيث يقطنهما مجتمعين أكثر من 60 ألفاً باتت معاناتهم عظيمة، وبات مخيم شعفاط، كما يقول الفسفوس"أشبه بطنجرة ضغط، إذ إن ما يجري عقاب جماعي، وقد بدأ صبر السكان ينفد".

في حين يرى أبو الحمص أن ممارسات الاحتلال ستفضي إلى مقاومة أشد عنفاً، ويقول "كل الأبواب مغلقة في وجوه الناس، حصار وقمع واعتقال ومنع العمال من الذهاب إلى العمل، فإلى متى ستصبر الناس؟".

على مدى أيام وأسابيع "الهبّة الشعبية" كانت هذه الأحياء المقدسية أو ما بات يطلق عليها بـ"الغيتوات"، بؤر المواجهة الساخنة جداً في القدس، منها خرج المقاومون، أمثال بهاء عليا، وبلال أبو غانم، ومحمد سعيد علي، ولا زالت سلطات الاحتلال تعاقب أهالي هذه الأحياء عدا الحصار والإغلاق بهدم منازل ذوي الشهداء واحتجاز جثامين أحد عشر شهيداً تنتظر عائلاتهم تسلّمها لتدفن كما يليق بمكانتها، وإلى أن يتحقق ذلك، فالواقع في هذه الأحياء يشير إلى أيام أخرى صعبة على المقدسيين وعلى الاحتلال أيضاً الذي يمعن في إجرامه، كما يقول المتحدث باسم "فتح" في مخيم شعفاط. العربي الجديد



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات