الاستراتيجيات التربوية بين موروث التلقين ومستجدات العصر

تم نشره الجمعة 21st أيّار / مايو 2010 11:11 صباحاً
الاستراتيجيات التربوية بين موروث التلقين ومستجدات العصر

المدينة نيوز - تشكل الاستراتيجيات التربوية الحديثة وما تمثله من وسائل مستحدثة ثورة على الأدبيات التربوية القديمة المتبعة في المدارس والكليات والجامعات ما دفع بالقادة التربويين والخبراء الأكاديميين الى تبني حراك جدي يواكب تلك التغييرات.

وأبرز التحديات التي يواجهها خبراء الحقل التربوي لمواكبة التغييرات انتهاج وسائل جديدة تنأى بالمتعلم بعيداً عن منهج التعليم بالتلقين باعتباره من الموروثات القديمة التي لاتتواءم مع روح النهضة الفكرية والمعلوماتية ومستجدات العصر.

وفي استطلاع  طرح اكاديميون ومختصون مواكبون لتلك التطورات وجهات نظرهم في هذا السياق.

الدكتور محمد الريماوي: ويقول نائب عميد كلية العلوم التربوية للدراسات العليا في الجامعة الاردنية واستاذ علم النفس التربوي الدكتور محمد الريماوي إن التلقين في الموروث العربي ليس بدعة جديدة، فقد كان سائدا عندما كان الهدف من التعلم والتعليم حفظ ما هو مطلوب من المتعلم، مبينا أن الراوي كان يتلقى الشعر العربي بواسطة التلقين واستطاع حفظ التراث بتلك الطريقة رغم التقلبات السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة.

ويضيف الريماوي ان من الإيجابيات في تراثنا الثقافي والاجتماعي وجود الكتاتيب التي استخدمت التلقين والتي لولاها لما وصل إلينا التراث العربي والإسلامي من شعر وقرآن وحديث، الأمر الذي لم يستوجب الثورة على التلقين أوانتقاده آنذاك.

وأوضح أن الهدف من التعلم والتعليم اليوم ليس كما كان بواسطة التلقين والحفظ دون الالتفات إلى المعنى، إذ يكون باكتساب مهارات التفكير في مواجهة المشكلات وحلها لا سيما وظيفة التعلم بالتلقين تغيرت وتغيرت معها أداة التعليم وتطورت إلى حل المشكلات بالتفكير الأمر الذي دعا إلى رفض التلقين تبعا لتغير الوظيفة.

واشار الى ان التجديدات التربوية بدأت تقدم طرائق جديدة لتحقيق هدف التفكير وتعلم مهاراته، مشيرا إلى ان التعلم بحل المشكلات تقتضي من المتعلم حل المشكلة وفي حال عدم القدرة يقوم المعلم بحلها ويدعو الطلبة لحفظ ذلك الحل.

وبين أن التعلم بالمشكلات هو نوع آخر من التعلم سواء في التاريخ أو السياسة أو الاقتصاد، موضحا أنه عندما تعرض المشكلة يقدم لها التلاميذ حلولا مفترضة نتيجة انشغالهم بالتفكير بها سواء حلوها أم لم يحلوها، وهذا يقود الطالب إلى أن يفكر تفكيرا ابداعيا ناقدا ومنطقيا ويعطيك حلا ليس متوقعا وهذا ما يسمى بالتفكير مافوق العالي.

ويدلل الريماوي في ذلك على حوار الأب مع ابنه عن غزوة بدر وانتصار المسلمين فيها رغم قلة عددهم، موضحا أن الأمر استدعى من الإبن التفكير في موجبات النصر فحينها يتوصل الطالب إلى أن تغيير إستراتيجيات المعركة ساهم في النصر وهذا ابداع في الحل.

الدكتور حسين محادين: ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين أن التلقين ليس حالة وليدة اللحظة بل هو امتداد طبيعي لطرائق واستراتيجيات التنشئة الأسرية التي منحت رب الاسرة هالة من القداسة حالت دون مشاركة الأبناء في قرارات الأسرة، كما أنه لايوجد لديهم خبرات تحترم شخصياتهم بسبب سيادة الأب وطريقته في تنشئة أبنائه مثلما ينسحب ذلك على المعلم ومدير المدرسة حيث التطابق في أسلوب التنشئة.

ويضيف الدكتور محادين بعدا آخر من أبعاد النمو في اعتماد معيار الأداء في قياس نجاح الطلبة او اخفاقهم وهو عامل (الحفظ) وصولا الى الجامعة التي تضم أساتذة هم افرازات التنشئة ذاتها.

واشار إلى أن المدرسين الذين يتبعون طرقا حديثة في التدريس يعانون هم وطلبتهم من عدم قبول الطرائق بصيغة إيجابية تبعا لما درج عليه الطلبة مع مدرسين آخرين لم يتبنوا الطرائق التشاركية أصلا، إلى جانب الضعف العام لدى الطلبة والإبقاء على الإمتحان كمعيار شبه أحادي في التقييم.

ويضيف ان الكثير من الأساتذة يحزمون خياراتهم نحو قيادة المجتمع باعتبارهم القدوة والأنموذج ما أبقى الجامعة أسيرة للمجتمع، إضافة إلى أن الطلبة غالبا ما يفضلون الجامعة الأقرب لمناطق سكناهم وهذا موشر سلبي على إمكانية التخلص من ممارسة التلقين لا سيما وأن العلاقات الجهوية الأولية أكثر تأثيرا على الشباب وعلى طريقة تفكيرهم وممارستهم للحوار وروح المبادرة.

ويؤكد محادين وجود فروق فردية بين المدرسين أنفسهم انعكست على التدريس، مشيرا إلى ميول بعض المدرسين للإستسهال فيكون التلقين هوالهدف، بخلاف أولئك الذين يتبنون الحوار والمناقشة وتبادل وجهات النظر.

ولفت الى وجود عوائق تشكلها الأنظمة والتعليمات الإدارية في الجامعة ما يحول دون إستثمارالأنشطة الحرة وإطلاقها نحو المجتمع بصورة متبادلة.

ويخلص محادين الى القول إن الطلبة يميلون إلى التسجيل لدى الأستاذ الذي يعتقدون أنه يتساهل في قضية العلامة ومنحها للطلبة لتسود فكرة (الكرتونة) وليست الشهادة المهارية التي بوسع صاحبها أن يعبر عنها علما وسلوكا.


وفي السياق ذاته تقول الطالبة شهد الباشا سنة ثانية نظم معلومات حاسوبية إن بعض المدرسين لا يمنحون الطلبة الحق في الإجابة على أسئلتهم بحجة اعتماد الطالب على نفسه، لافتة إلى أن ذلك يكرس مبدأ التلقين وسلطة المدرس التقليدية على فكر الطالب ذاته.

وتبدي الباشا شكواها من إنشغال بعض المدرسين بمسائل شخصية بحتة، كالبحوث والندوات والمؤتمرات، فتكون فرصة الطالب بالظفر بما تبقى من مساحة زمنية في جدول المدرس قليلة جدا، الأمر الذي يجعل الطالب يتقاعص ويركن الى تحصيل العلامة دون الالتفات الى المعلومة.

واشارت الى أن تزاحم الطلبة نحو الأساتذة الذين يعتمدون البحوث والتقارير التقليدية في التقييم، هو خير مثال على بقاء الصورة النمطية في المشهد.

خديجة محاسنة: واتفقت الطالبة خديجة محاسنة سنة ثالثة نظم معلومات إدارية الى حد ما مع ما ذهبت إليه زميلتها بقولها إن التلقين مايزال سائدا في العملية التعليمية لكنه يتساوق مع الجانب العملي في الكلية التي تنتمي إليها، مشيرة إلى أن البعض من المدرسين يلزمون الطلبة باعتماد كتب و(دوسيهات) بعينعها لتضمينها سياق الخطة الدراسية.

معن غنام: وبخلاف ما تقدم يقول الطالب معن غنام سنة ثالثة لغة عربية إن هناك حماسا من المدرسين على اتباع أنماط نقاشية وحوارية مع الطلبة لكن ضعف المستوى الثقافي العام لدى الطلبة لاسيما في التخصصات الانسانية يجبر المدرس على الهبوط بمستوى الحوار والنقاش المتواضع باعتباره بديلا عن التلقين.

ويضيف غنام ان ثمة دعوات أطلقها مدرسون مرارا وتكرارا لحث الطلبة على الاستفادة من مراجع المكتبة وما يتوفر فيها من نشرات حول المواضيع الدراسية المختلفة غير أن الاستجابة بقيت دون مستوى الطموح خصوصا وأنهم وجدوا في الانترنت بديلا عما يرمون الوصول إليه من بحوث وغيرها.

رائد نمر: وحول الوسائل التي تجذر ظاهرة التلقين يقول رائد نمر وهو مسؤول خدمات طلابية في أحدى دور النشر المجاورة لإحدى الجامعات إن بعض المدرسين يلزمون الطلبة باقتناء كتبهم لقناعتهم بكفاية ذلك المؤلف وشموله الخطة الدراسية رغم أن بعضها يفتقر للجودة في طباعته وقيمة معلوماته.

ويضيف نمر انه ورغم إهتمام بعض الأساتذة بمحتوى المادة المقدمة للطالب إلا أن طغيان الجانب المادي لا يخفى في المشهد، مشيرا الى أن الكتب المعتمدة من قبل الأستاذ ليست بالضرورة من تأليفه نفسه، خصوصا العلمية منها.

ويربط نمر تهافت الطلبة على المواد الدراسية المصورة رغم وجود الكتب الأصيلة بالحالة الاقتصادية المتمثلة بضعف القدرة الشرائية لديهم، موضحا أن هناك مؤلفات على درجة عالية من الجودة والاتقان لكنها غالية الثمن.( بترا)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات