لبنانية عربية على عرش جمال امريكا

كان لبنان هو أقرب بلد عربي لدائرة التأثير الغربية فيما يخص أنماط الحياة والسلوكيات الاجتماعية المظهرية ومن بين ذلك مسابقات ملكات الجمال حيث اهتم لبنان بهذا الشأن مبكراً ، وهناك سنوياً انتخاب ملكة جمال جديدة ، وفي السبعينات فازت ملكة جمال لبنان بلقب ملكة جمال العالم ، وكان طبيعياً ان تفوز لبنانية عربية بلقب ملكة جمال امريكا وان تكون هذه المرة شيعية من جنوب لبنان حيث يحتكر حزب الله الرمزية النضالية ، لكن فوز ريما فقيه اوجد نجومية من نوع آخر وفتح فوزها النقاش والتعليقات كونها أول مسلمة تجلس على هذا العرش. ولكن ، تبعا لمراسل صحيفة "غارديان" البريطانية ، خالد دياب ، فعندما تختلط مسابقات الجمال بالعنصر الجيوسياسي ، تتعقد الأمور نوعا ما. ومناسبة هذا الحديث هو أن الأمر بلغ بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة لاعتبار فوز ريما "مؤامرة إسلامية". كما اوردت ذلك جريدة ايلاف الالكترونية التي اضافت ان هذه المسألة خلفية لها في الانطباع السائد وسط الأميركيين من أن المرأة المسلمة مغطاة بالنقاب بالضرورة. وفي هذا الجو يذهب البعض الى القول إن المسلمين يقيمون مسابقات جمال للإبل والغنم إضافة الى منافسات "ملكة جمال الأخلاق" عندما يتعلق الأمر بالنساء.
وتبعا لغارديان فقد أثار فوز عربية مسلمة بعرش الجمال الأميركي حفيظة اليمين الجديد ، لكنه لم يدر كيف يستجيب للنبأ على الفور. فهو لا يحب مطلقا أن يذهب اللقب الى هذه الربوع لكنه وجد مشكلة في كيفية بناء "قضية" ضدها. ولذا فقد لجأ الى نظريات المؤامرة.
وضربت الصحيفة مثالا لذلك بدانيال بايبس ، وهو أحد "مثقفي" هذا الاتجاه وذو علاقة قوية بإدارة الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش. فقد جمع في قائمة خاصة أسماء خمس مسلمات فزن بلقب "ملكة الجمال" في الولايات المتحدة وأوروبا.
وتساءل عما إن كان في أمر فوزهن "انحياز غير منطقي لمبدأ "العمل الإيجابي". ويذكر أن هذا المبدأ هو الصورة المحسّنة لمبدأ "التمييز الإيجابي" الذي يخصص أماكن في الجامعات والمجتمع للأقليات فقط لأنها أقليات وليس بسبب كفاءاتها.
وأوردت مثالا آخر يتمثل في المعلّقة المحافظة ديبي شلوسيل التي أشارت الى خلفية ريما فقيه الشيعية لتصفها بأنها "إرهابية" وتطلق عليها لقب "ملكة جمال حزب الله"، وهاجمت الملياردير دونالد ترامب ، وهو أحد ممولي المنافسة" قائلة إنه "ذمي" أي من أهل الذمة.
ومضت شلوسيل تقول: "حزب الله يضحك هذه الليلة ولا شك في ذلك.. لماذا؟ السبب واضح كالشمس وهو أن إحدى أعضائه فازت بلقب ملكة جمال الولايات المتحدة بدون أن تنبس ببنت شفة لإدانة هذه الجماعة وجرائم القتل التي ترتكبها في حق المئات من الأميركيين".
ويبدو أن شلوسيل على قناعة حقيقية برابط ما بين ريما فقيه و"حزب الله". وهذا رغم أنها لا تورد دليلا على ذلك سوى قولها إن "مصادر استخبارية" لم تسمها "تشير الى أن بعض أفراد أسرة ريما أعضاء في حزب الله".
على أن الصحيفة تفند هذا الزعم قائلة إن حزب الله "حزب سياسي عريض ويقدم خدماته الاجتماعية لسكان جنوب لبنان حيث يعتبر حكومة الأمر الواقع. ولذا فإن جميع السكان في تلك المنطقة يقعون بشكل أو آخر تحت تأثيره ، سواء كانوا شيعة أو سنة أو مسيحيين". وتمضي قائلة إن الأرجح لمنظمة إسلامية مثل "حزب الله" أن تعارض فكرة مسابقات ملكة الجمال في المقام الأول باعتبارها "بدعة غربية" وتحط من قدر المرأة.
ويبدو أن سلوشيل استبقت هذا النقد فقالت إن المسلمين (الشيعة) يتبعون نهج "التقيّة" الذي "يتيح لهم إخفاء معتقداتهم الحقيقية في حال خوفهم من الخطر أو سعيا لخداع الكفار. ومن هنا جاء سماح حزب الله لريما بالمشاركة في تلك المسابقة".
ونشرت مواقع اخرى صورا للملكة الجديدة والى جانبها علم حزب الله الاصفر والاخضر. الا ان معلقين آخرين دافعوا عن ريما فقيه. واكد موقع "بوليتيكس ديلي" في خبر بعنوان "ملكة جمال الولايات المتحدة: ارهابية بالبيكيني؟" ، ان "الدفاع عن النفس من تهمة التطرف لا يجب ان يكون جزءا من عمل" حاملة اللقب الجديدة".
وحسب ايلاف فان عائلة ريما فقيه استقبلت سيل المهنئين والاعلاميين في صريفا ، مؤكدة ، في مواجهة بعض الشائعات ، عدم ارتباطها باي تيار سياسي وانفتاحها على كل الحضارات والاديان.
وتقول عمة ريما ، عفيفة فقيه سعيد 62( عاما) وهي تقدم البقلاوة والقهوة للزوار ، "رفعت ريما رأسنا ، رفعت رأس جنوب لبنان". في المنزل المؤلف من طبقتين ، صورة كبيرة لريما بعد ان فازت بلقب ملكة جمال ولاية ميشيغان. كما توزعت في ارجاء المنزل الصحف المحلية الصادرة اليوم والتي حملت كلها صور "بنت صريفا اجمل الاميركيات" ، كما كتبت جريدة "النهار".
ولا ترى عفيفة التي تضع الحجاب ، اي تناقض في ظهور ابنة اخيها بالبيكيني في مسابقة للجمال في بلد يعتبر على نطاق واسع في الجنوب حيث معقل حزب الله ، عدوا بسبب دعمه لاسرائيل. وتقول "الغربيون يصفوننا ، نحن الشيعة ، بالارهاب والقتل. لكننا في الواقع نحب الحياة والحب والجمال لا سيما جمال النفس".
وهاجرت ريما 24( عاما) من لبنان وهي في السابعة مع والديها وشقيقتها رنا 35( عاما) وشقيقيها. وهي حائزة شهادة جامعية في الاقتصاد. وتقول عفيفة التي تجيد الانكليزية والفرنسية ، ان عائلتها "لا تملك اي ميل سياسي واي ارتباط مع احزاب سياسية" ، مضيفة ان شقيقها ربى عائلته "على عدم التفريق بين مسلم ومسيحي. (...) نحن عائلة منفتحة".
وروت ان والد ريما "كان يرفض دائما دخولها في مجال الجمال ، لكنها طموحة ووالدتها كانت تشجعها". وتعشق ريما السفر وترغب في ان تصبح محامية. وقد تلقت دروسها في مدرسة كاثوليكية في نيويورك ، وصرحت خلال المسابقة للمنظمين ، ان عائلتها تحتفل بالاعياد الاسلامية كما المسيحية.
وتروي شقيقتها رنا المستقرة حاليا في صريفا مع عائلتها ، ان "والدي الذي كان معارضا لمشاركة ريما في مسابقات الجمال ، قال لي عبر الهاتف متأثرا بعد التتويج: شقيقتك اول شيعية تحمل لقب اكبر دولة في العالم".
وتابعت رنا "نحن لبنانيون واميركيون. في الولايات المتحدة ، لا احد يسأل هل انت شيعي ام سني. كلنا تحت النظام الاميركي". وانتقدت محاولة بعض الاعلام الاميركي "تشويه صورة ريما بالقول انها مع حزب الله".
وتصف رنا شقيقتها بانها "رياضية وجميلة وروحها مرحة واجتماعية". ويعبر ابراهيم سعيد ، احد اقرباء ريما ، بدوره عن فخره بالقول "لقد شهدت صريفا اخيرا هزات ارضية عديدة خفيفة. الا ان فوز ريما احدث هزة عالمية".
وافرزت وسائل الاعلام اللبنانية مساحة مهمة للملكة الاميركية اللبنانية الاصل ، وكتبت "النهار" ان "ريما فقيه عكست للبنان صورة مضيئة في بلاد تسودها صورة قاتمة عن العرب عموما". وكتبت صحيفة "السفير" من جهتها "جميلة الاميركيات... اللبنانية ريما فقيه (...) السمراء ذات الملامح العربية الواضحة".
الدستور