سوق الدول

الدولة الوطنية ظاهرة سياسية حديثة, فحتى القرون الوسطى عرف العالم شكلين من الاتحادات السياسية, دول المدن والقلاع والدول الامبراطورية وكانت الاولى تقوم على وحدات ثقافية او قبلية او اثنية محدودة, فيما قامت الثانية حول الانهار الكبرى او طرق التجارة على ايديولوجيات كبرى.
وهناك دول تشكلت من الغزاة الفاتحين بنسبة كبيرة مثل بريطانيا والولايات المتحدة حيث ابيد سكانها الاصليون او اندمجوا كاقليات ديموغرافية مع غالبية الغزاة.
الكلام يطول حول ظروف الدولة الحديثة والمناخات الاقليمية لنشأتها لكن ما يلفت الانتباه هو ان بعض الدول او المناطق تقرر مصيرها بصفقات تجارية لا بصفقات سياسية ولم تكن كلها دول او مناطق صغيرة كما سنرى.
ابتداء من الدول الكبيرة فان الهند على سبيل المثال تشكلت حول ثلاث شركات اوروبية اكبرها شركة الهند الشرقية البريطانية كما ان افغانستان عرضت للبيع اكثر من مرة في القرن التاسع عشر وكان رأي اللورد كرزون ان شراء هذا البلد (افغانستان) ارخص على التاج البريطاني من احتلالها.
ايضا فان اكثر من نصف الولايات المتحدة الامريكية تم ضمها الى دولة جورج واشنطن وابراهام لنكولن الاتحادية إما عبر صفقات تجارية محلية بين شركات الاخشاب والشاي والقطن وإما عبر صفقات خارجية مثل الاسكا التي ظلت الصحافة القيصرية الروسية تعرضها للايجار عدة اشهر قبل ان تشتريها الولايات المتحدة ومن الصفقات الغربية في التاريخ صفقة قلعة إل موت التي اشتراها الحسن الصباح بالقليل من الدنانير الذهبية وحولها الى اخطر مركز لجماعته القتالية السرية التي عرفها الاستشراق الاوروبي والجماعات الاسلامية السلفية بالحشاشين وهي على اية حال ليست الحشيشة المعروفة بل اعشاب منبهة استخدمتها بعض الجماعات الصوفية في رقصة الزار.
وفي كل عمليات الشراء السابقة المذكورة وغيرها لم يكن الموقف من سكان هذه المناطق واحدا في هذه الصفقات حيث تراوحت الاتفاقيات بين دمجهم في عملية الشراء خاصة في مناطق العمل الجماعي كمزارع الشاي والقطن والمخدرات والكسارات وبين اجلاء معظمهم واحيانا ابادتهم.
وقد تفتق ذهن الانجليز الديمقراطيون المتحضرون جدا? عن حلول انسانية تستحق الانتباه حيث حولوا مياه احد السدود نحو الاف القرى الهندية في اكبر مذبحة جماعية نفذتها شركة سكة حديد امريكا الشمالية كما قاموا في مرة ثانية بتزويد مليون هندي احمر ببطانيات مصابين بالجدري, وهكذا..