صمت الحملان

بعد ان يدب الوباء وينتشر في طيبه او ثيابه يدرك اوديب ان ثمة خطيئة في المدينة وان عليه ان يعرف سر ذلك, وكانت النتيجة اكتشافه انه سبب هذه الخطيئة.. وكان والده قد رماه في البرية وهو طفل هربا من نبوءة تقول ن ابنه سيقتله- لكنه لا يموت وذلك بفضل احد الرعاة... ويقتل والده لاحقا من دون ان يعرفه ويتزوج امه...
هذا العمل المسرحي الشهير لـ سوفوكليس اسس لتصورات درامية - سيكولوجية لا تزال مغرية لاعمال عديدة... لكن المهم في كل ذلك هو المفارقة الابدية لاشخاص وقوى مجتمعية وسياسية تعيد انتاج اوديب باشكال مختلفة, فمن الهندي الاحمر والشخصية التي يؤديها جاك نيكولسون في فيلم "طيران فوق عش الوقواق" الى "الهندي الاحمر" في قصة تيسير السبول التي تخبرنا كيف ان تيسير الفتى كان ينحاز لرعاة البقر الامريكيين ضد الهنود الحمر في الافلام الامريكية الى ان اكتشف انه هندي احمر ايضا بعد حادثة حصلت معه مع استاذ في الجامعة الامريكية في بيروت...
وقد وجدنا نماذج اخرى لهذه الحالة في فيلم "الشرطي" وهو فيلم ايطالي تأثر به, كما يبدو, المخرج المصري الراحل والمقاتل, عاطف الطيب في فيلم "البريء".. ففي الحالتين يكتشف "الفلاح" الذي انخرط في سلك الشرطة وكان شديد الولاء للمؤسسة ان الشخص الاخر الذي كان يواجه التعذيب او القمع بتهمة "قلة الولاء" والمعارضة وتهديد الامن الوطني والمصالح العليا ليس سوى ابن عمه المحامي الذي يعرفه جيدا ويعرف حبه وغيرته على شعبه ووطنه وانتقاده الدائم لسياسات الافساد والفساد الحكومية..
وتكون النتيجة صحوة ضمير عارمة تنتهي بالشرطي الى القتل على يد شرطي جديد ودورة جديدة من دهشة الوعي والقتل المتبادل..
وهكذا تتجلى الحرية في اكتشاف الاعماق الاخرى المحجوبة بأقنعة الوعي الزائف للسلطة السائدة سواء بسياساتها المباشرة او بتداعيات خوفها على هذه السلطة... وتصبح الحرية مرهونة باقصاء الذات او استبدالها او نفيها بالكامل "مقتل الشرطي" او تعذيبها "اوديب" او عذابها "الهندي الاحمر" او جنونها كما يقترح فوكو..
ولهذا السبب بالذات, فان جماعات عديدة تهرب من ضريبة الحرية الى العبودية لكن خلف اقنعة مزورة محاطة بالكثير من الضجيج والثرثرة عن الحرية وباسمها.
العرب اليوم