صراع بين المسجد والكباريه !

كان بعض الإيرانيين "الإصلاحيين" ينتقدون تلفزيونهم الرسمي بقولهم أنه "أبيض وأسود" رغم انتهاء البث باللونين منذ سنوات طويلة ، ويقصدون بذلك سيطرة المعممين عليه الذين يعتمرون العمامات السوداء والبيضاء ، أما في بلاد العرب فالصورة مختلفة جذريا: التسابق الآن بين لونين مختلفين من أنواع البث ، المساجد والكباريهات ، وإن كانت الغلبة البادية للكباريهات ، حيثما اتجهت في عالم البث الفضائي ، سترى تنافسا على أشده بين قنوات "محتشمة" حد الاختناق ، وأخرى تلهث إلى تخوم الإباحية ، في محاولة لسرقة جمهور تائه بين مشهد مغطى بالدماء في فلسطين والعراق وأفغانستان ، وآخر يتلوى ويتلون بالشهوة في كباريهات البث المباشر ، وبين هذا وذاك تتألق فضائيات الإباحية السياسية بعروض الستربتيز الجادة ، مُحاوًلة حجز مكانة في دماغ عربي ، مولع بالمحرمات لفرط الحرمان الكبت السياسي والجنسي،.
ازدهار البث الملون ، وغزارة الانتاج الفضائي ، ربما يكون عملية تعويض على عقم الانتاج الحقيقي ، على الأرض ، من حيث إنتاج البطل والنموذج والتنمية السياسية والاقتصادية الحقيقية ، لا يكاد يمر شهر أو أقل ، إلا ونشهد عملية ولادة برنامج أو قناة فضائية ، تجتهد في ابتداع "بث جديد" يسرق الجمهور ، في تنافس محموم غير مسبوق ، على جمهور لاه لا يجد ما يفعل غير البحلقة في الشاشة لأكثر من ست ساعات يوميا على الأقل ، وفق إحدى الإحصائيات الحديثة ، إنها مجزرة تتفنن في ذبح الوقت وهدر العمر ، وإعادة تشكيل للأجيال ، وفق اشتراطات "قيمية" جديدة ، تعتمد مقاييس مُستحدثة لها علاقة بهزة خصر ، أكثر من منطق فقيه ، إنه كارنيفال عجيب من التيه ، يهدد بهزيمة المسجد أمام الكباريه ولو مؤقتا ، ليس لأن المسجد غير قادر على المناجزة والتحدي ، بل لأن مساحة وسقف الكباريه أكثر اتساعا وعلوا ، وأكثر استفادة من تقنيات الحداثة ، في حين أن أهل المسجد لم يزالوا أسيرين عقم الاجتهاد ، ومحدودية التفكير والإبداع ، فضلا عن وقوعهم تحت الضغط بالتهديد باتهامهم بالإرهاب والتطرف،. إنها معركة غير متكافئة ، بين مقاتل خجول مكبل ، وآخر منطلق في مساحات شاسعة من التشجيع والحركة،.
ويسألونك ماذا نفعل بأجيالنا ، وكيف نربيهم وسط إباحية البث ، ماذا نفعل بأولادنا المنبهرين بالألوان الزاهية ، والأستوديوهات المزركشة المليئة بنوع مستحدث من بنات الهوى ، وكيف نتعامل مع هذا السيل العرم من الفتن الطاغية ، هل نرمي الإعلام الديجيتال إلى سلة القمامة ونغلق أبواب بيوتنا علينا ، أم نترك الحبل على الغارب ، ونترك لهم "حرية" الاختيار ، في ظل منافسة غير متكافئة؟ أم نجلس سوية أمام الشاشة ، ونبدأ بـ"الوعظ": هذا حسن وهذا قبيح؟ قولوا لنا ماذا نفعل،.
الغريب أن تلفزيوناتنا الرسمية ، المدمنة بث صور الكبير وأعوانه ، دخلت هي الأخرى على الخط ، وبدأت "تتصابى" شأنها شأن العجوز الشمطاء الدردبيس ، التي تحاول أن تتزين كي تبدو شابة ، فغدت في منظر مضحك مثير للعطف ، ويبقى السؤال قائما ، والصراع قائما بين المسجد والكباريه،.
الدستور