أساتذة الجامعات: فقراء جدد

لم يحصل أعضاء هيئة التدريس والعاملين في الجامعة الأردنية على العلاوة المنتظرة على رواتبهم إلا بعد معركة طويلة وشاقة، وعلى قدر ما يفتح النظام المعدل لرواتب العاملين في الجامعة الأردنية من أفق في النفق المظلم الذي دخلته هذه الفئة المعنية بصناعة المعرفة وتشكيل مستقبل الأجيال، إلا ان تعديل النظام الذي افترض تعديل الرواتب من إيرادات البرنامج الموازي يطرح أسئلة مقلقة على مستقبل العاملين في الجامعات التي لا يوجد فيها برامج موازية، أوتلك الجامعات التي لا تأتي فيها تلك البرامج بهمها، وهي جامعات المحافظات التي تشهد نزوحا جماعيا واستنزافا حادا لأعضاء الهيئات التدرسية بحثا عن فرص أفضل بعد أن ضاقت بهم أسوار الجامعات وأحوال الحياة هناك.
لم تشهد دخول أساتذة الجامعات الرسمية تعديلات حقيقية منذ منتصف التسعينيات، بينما تبدلت الدنيا وتغيرت مرات ومرات، وتشكل أحوال أساتذة الجامعات الذين يتجاوزعددهم ستة آلاف صورة واضحة تعبر بصدق وموضوعية عن الكيفية التي تنهار فيها فئات واسعة من الطبقة الوسطى، فأساتذة الجامعات بالفعل هم اليوم فقراء جدد بالمعنى الحقيقي للكلمة. ونحن بحاجة الى مسوحات ودراسات جريئة وعاجلة لإثبات أو نفي هذه الفرضية، فمنذ سنوات لم تعد دخول أساتذة الجامعات تكفي الحد المعقول لضمان حياة كريمة. هم بالفعل يأكلون ويشربون ويذهب أطفالهم الى المدارس، لكن هل توفر مواردهم المحدودة حياة كريمة بالفعل تليق بهذه الفئة، حيث يقضي الأستاذ الجامعي أكثر من 40 % من معدل عمر الإنسان الأردني في التعليم والبحث قبل أن يتحول الى منتج وصاحب دخل.
في هذا الوقت لم تعد أسطورة ارتفاع دخل العاملين في الجامعات قابلة للتسويق، بعد تآكل دخولهم إثر حجم العصف الذي شهدته مستويات المعيشة والتغيرات التي نالت معظم فئات العاملين في القطاعات الأخرى من دون أن تصل إلى ساحات الجامعات. وفوق هذا طبيعة الواقع والتقاليد والدور الاجتماعي، وكلها تطلب من هذه من الفئة الالتزام بمستوى معين من العيش والاستهلاك. يجب ان نعترف أن أحد أهم عناصر جودة التعليم العالي التي نتغنى بها جميعا هي سمعة النظام التعليمي وهيبته، التي يصنعها العاملون في هذه المؤسسات.
ويجب أن نعترف أن ظواهر جديدة باتت تتسلل إلى جامعاتنا في بحث العديد من أساتذة الجامعات عن أعمال تعينهم على مواجهة الحياة، بعضهم يستثمرون دنانير بائسة في صالون للحلاقة، وبعضهم يقفون في المحاكم أمام طلبتهم في خلاف حول أجرة شقة، وآخرون يتنقلون في اليوم الواحد بين ثلاث جامعات للبحث عن تدريس مساق على التعليم الإضافي. المسألة في الحقيقة أعمق من سمعة النظام التعليمي، إنها مسألة الأمن الإنساني للمجتمع الأردني. في الجامعات تكمن الحاضنات الأساسية لأفكار التطرف، وهناك تزرع بذور الاحتقان الاجتماعي وتنمو مشاعر النقمة والإحساس بالفوارق الهائلة. وهناك اكتشفنا العنف الاجتماعي والجماعي، فهل ننتظر ان يتحول أساتذة الجامعات الى طرف في صناعة الاختلالات وصب المزيد من الزيت على الرماد.
في خطاب الموازنة لحكومة الدكتور معروف البخيت قبل ثلاث سنوات، وردت إشارة مباشرة لرفع رواتب أساتذة الجامعات، خصتهم بالاسم من دون غيرهم من موظفي الدولة، وشهدت الجامعات منذ ذلك الوقت عشرات الاحتجاجات وأشكال التعبير عن رفض الأوضاع القائمة، ولم يحدث ما يذكر على الرغم من وجود قناعة تامة على مختلف مستويات المسؤولية بتآكل الأوضاع المادية لهذه الفئة الى حد لا يحتمل.
كما كان التوسع في إنشاء الجامعات والأساليب التي تدار فيها قرارات سياسية، فإننا بحاجة اليوم إلى قرارات سياسية جادة ومدركة لإنقاذ هذه الفئة ذات الحساسية العالية من المجتمع، لتجفيف واحد من مصادر الاختلالات العميقة التي لا ندري إلى أين ستقود.
الغد