«الشر المستطير» في مسألة «إرضاع الكبير»

أعادنا الداعية السعودي عبد المحسن العبيكان بفتواه الخاصة عن جواز "إرضاع الكبير" إلى جدل ظنناه قد حُسم حول المسألة ذاتها ، حيث سبق للدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر أن فجّره قبل عدة شهور ، ومما زاد الطين بلة ، أن حملة النقد والتنديد التي قوبلت بها الفتوى "المقززة" على حد وصف كاتبة سعودية أيضا ، لم تثن "المفتي" السعودي عن موقفه ، بل دفعته لشن هجوم مضاد على أشباه العلماء الذين ينكرون أحاديث وسننا مُثبتة ؟، ودفعت بآخرين غيره ، للنبش في بطون الكتب بحثا عن مؤيدين ومعارضين لها ، والمؤسف أن ثمة من بين الأسماء الكبيرة في عالم الإفتاء و"المرجعيات" من اتفق مع العطية والعبيكان.
عطية اعترف - بعد أن فقد عمله - بصعوبة تطبيق هذه الفتوى ، إذ من ذا الذي يمتلك جرأة الطلب من زميلته في العمل الحصول على خمس رضعات "مشبعة" من ثدييها ؟، ومن ذا الذي يضمن ألا تتطور المسألة إلى ما هو أبعد من "الرضاعة"؟.. وما هي كمية الحليب الكافية لـ"إشباع الكبير"؟ وهل سيبقى شيطان من شياطين الأرض من دون أن يحتشد في "خلوة الإرضاع" تلك؟، ، ولماذا الافتراض في الأصل بأن النساء قادرات على الإرضاع أصلا ، بمن فيهن إمهات أزمنتنا الحديثة ؟
ولتفادي أسئلة العطية المحرجة ، اقترح العبيكان "عصر الثدي" من خلف حجاب ، ووضع ما فيه من حليب في إناء يتناوله "الكبير" طازجاً خمس مرات ، قبل أن يصبح بمقدوره الدخول من دون "إحم ولا دستور" إلى "قفص الحريم" ، ويُرفع عنه الحجاب المفروض على "العورات الصغرى" كالشعر والوجه واليدين ، أما "العورات الكبرى" أو "الغليظة" في روابة أخرى ، فتظل محظورة عليه بالطبع ، لكنّ "مجتهدين" آخرين رفضوا هذا "التحديث" وتلك "العصرنة" وأصروا على تناول الحليب من صدر المرأة مباشرة ، شريطة ألا ينكشف من الثدي في أثناء الرضاعة سوى "حَلَمَته" ، وهي على حد زعم (ذوق أو قلة ذوق) هؤلاء ، سوداء غير مثيرة بذاتها ؟،
حلول العبيكان لمعضلة "تطبيق الفتوى" التي تحدث عنها العطية ، لم تكن مقنعة لكاتب كويتي لم أُحببه يوماً ، ولطالما أسهمت كتاباته في رفع مستوى السكر وضغط الدم لديّ ، لكنني وجدت معالجاته هذه المرة "خلاقة ومبدعة" بعضها ينطلق من "خصوصية خليجية" وبعضها الآخر يمكن استلهامه في كل زمان ومكان ، يقترح فؤاد الهاشم استخدام خراطيم مطاطية ، بأطوال مناسبة ، وترك عمليات "الحلب" لعوامل الشفط والجاذبية.
ويضيف - مستلهما قاعدة فرض الكفاية على ما يبدو - أنه يمكن للحكومة أن تريح الناس وتنشئ شركة مساهمة عامة لـ"حلب الحريم" تقوم بجمع هذه المادة الاستراتيجية من مواطنات متطوعات ، وعند وصول الخدم الى المنافذ الحدودية يقدم لهم ما مقداره "خمس رضعات مُشبعات" ، فتصبح كل نساء البلد...أمهاتهم ،،
ويختم الهاشم مقالته الساخرة بملاحظة محقة غابت عن ذهن الشيخ العبيكان وهي: ماذا لو أرادت امرأة من النوع الذي "لا يرجون نكاحا"...أن تستقدم خادماً أو سائقاً وصدرها قد جفّ منذ "حرب البسوس" ، فماذا تفعل؟، هل يجوز لها أن تستعين بحليب بناتها أو جاراتها؟ ، مذكّرا بأن معظم النساء توقفن عن الرضاعة الطبيعية حفاظا على جمال صدورهن ، متسائلا عمّا إذا كان من الجائز إرضاع الكبير بـ"كرتونة حليب كارنيشن أو حليب المراعي أو KDD؟،
العبيكان الذي يبدو غير مكترثْ بالعصي التي يضعها الهاشم وغيره في دواليب فتواه "المقززة" ، لا يبالي وهو في حمأة الحماس لها ، إن وقع في فخ "العنصرية والتمييز العنصري" ، فيقترح استثناء الخدم والسائقين من فتوى "إرضاع الكبير" ، امتداداً لتقليد محلي على ما يبدو ، يعفي "العبيد" و"العبدات" - وأعتذر عن استخدام هذه اللغة في مفتتح القرن الحادي والعشرين - من التكليف الشرعي ، فلا هم "أهل جنّة" ولا هم من "أهل نار" ؟،....وبئس "الفتوى" في مبتدئها وخبرها.
(الدستور)