صبيان وبنات

حين يولد صبي في قرية نائية أو حتى في عاصمة كبرى في وطننا العربي، تعم العائلة فرحة قصوى، ويبدو الأب مزهوا وهو الذي أنجب الذكر المنقذ، وتغدو الأم سعيدة زاهية متباهية بخصوبتها لأنها أم الولد، تستمد أهميتها وجدوى وجودها من هذه الحقيقة حصرا، فيتوارى اسمها إلى الأبد، لتصبح منذ تلك اللحظة أم فلان، مستمدة نفوذها وسطوتها انطلاقا من أمومتها.
لأنها جاءت بولي العهد، الذي سيحمي اسم العائلة من الاندثار، فيما يطمئن الموسرون منهم على ممتلكات العائلة من التبدد على الغرباء، ويبتهج الجميع لأن الشرف الرفيع سلم من الأذى!
يتم الاحتفال ضمن ثقافتنا بالصبي باعتباره إنجازا شخصيا وغنيمة كبرى، يعرض على المهنئين الذين يدارون مشاعر الغيظ والحسد، مسلحا بخرزة زرقاء ورقية وتعاويذ، وتقرأ الجدات المعوذات درءا لأذى العيون التي لا تصلي على النبي وتدعو عليها بالعمى.
أما حين تطل المولودة الطفلة على عالم غير رحيم، فإن الأم تنكمش على نفسها سيما إذا كانت صاحبة سوابق في خلفة البنات، يحدث كثيرا أن تدفع الزوجة ثمن فعلتها بإنجاب البنت طلاقا وتشريدا أو في أحسن الحالات مشاركة قسرية مع ضرة ولود وغير ودود، يعلق عليها أمل إنقاذ سلالة العائلة من الفناء.
يكبر الصغير والصغيرة؛ الأول يتربى على الاعتداد البالغ بجسده باعتباره نقطة قوة ومصدر تميز، يمارس حريته إلى أقصاها محفوفا بمباركة وإقرار الجميع. يرتدي ما يحلو له من دون ان توجه له كلمة لوم واحدة، يتاح له أن يمارس أنواع الرياضة كافة، يسبح ويلعب كرة القدم، يركب الخيل، فيما تمنع الصغيرة من امتطاء دراجة أو تعربش شجرة، ليس خوفا من أن تدق عنقها بل ذعرا على تمزق غشاء توفرت منه في الأسواق قطع غيار صينية الصنع!
يحتفل المجتمع الذكوري ببلوغ الفتى ودخوله عالم الرجولة، يتاح للشاب خوض التجارب العاطفية العديدة وسط مباركة وإقرار هذا المجتمع الشيزوفريني، فيما تلقن الصغيرة منذ تشكل وعيها أول دروس الإذعان والرضوخ لمنظومة قيم جائرة، تبدأ الصبية معاناتها حال هجوم دلائل أنوثتها الأولى. تعلن حالة طوارئ ويفترض فيها أن تحني ظهرها خجلا من بلوغها الذي سيبعدها عن ملاعب الصبا قامعة بركان الطفولة المتفجر في روحها، لاعنة جسدها وقد سلبها رفاق الطفولة الذين لم يكلفهم بلوغ النضج أي ثمن، على العكس تماما فقد منحهم مزايا كثيرة.
تتكثف الرقابة على الجسد المتفجر استجابة لشرط الطبيعة، تصاب الام بالهلع، يخيل إليها أن ثمة مشروع ضحية جريمة شرف تعيش في بيتها، تبالغ في الحرص عليها، تعلمها الخجل من جسدها والتعاطي معه كخطيئة عليها أن تواصل الاعتذارعنها، ويلوح الزواج المبكر كحل أمثل للخلاص من قلق الفضيحة وعبء الحراسة المشددة على الروح المكبلة في جسد حبيس، يصادر حقها في الاختيار والتحصيل الجامعي والعمل، وتزج في مؤسسة الزواج قبل اكتمال نضجها الفكري والجسدي، وسرعان ما تصبح أما من دون إدراك أو أي استعداد لتحمل أعباء الأمومة، تمر حياتها في القهر والوحدة والملل إلى أن يحين أوان نومتها الأخيرة لتنشر الصحف نعيا صغيرا للفاضلة أم فلان وابنة فلان وأخت فلان التي قضت حياتها في أعمال البر والتقوى! سيدة فاضلة أخرى تشبه ملايين النساء في عالمنا العربي اللواتي ترتب عليهن التكفير عن أنوثتهن انصياعا ومصادرة وتغييبا.