شكرا على كل خطوة متقدمة

سقف التوقعات بنزاهة الانتخابات كان ينخفض من دورة انتخابية لأخرى، والانتخابات الماضية أفرغت رصيد الثقة بالكامل فلم يبق به مليما. والآن ينبغي إعادة بنائه من الصفر، وهي مهمّة عسيرة حتّى إن الواحد منّا بات يخشى التعرض للسخرية والاستهزاء، إذا ما غامر بالتبشير بانتخابات نظيفة ونزيهة هذه المرّة.
وزميلنا الكاتب الساخر في "العرب اليوم" أحمد أبو خليل قال عنّي إنني أحاول أن أرى دائما النصف الممتلئ من الكأس، وأعاند الإحباط حتى آخر قطرة، ولو اضطررت أن أمسك مكبرا بحثا عن قطرة في قاع الكأس. وكان يعلّق على محاولتي حتى آخر دقيقة إدخال تحسين ما على قانون الانتخابات الذي كانت الحكومة بصدد إقراره.
حسنا! النظام الانتخابي خلافي واجتهادي، وكان لنا رأي ولغيرنا رأي، وكان للحكومة رأى آخر أخذت به، أمّا نزاهة الانتخابات فليست مسألة اجتهادية، بل متطلب ابتدائي غير قابل للنقاش. هناك معايير معروفة دوليا في الجوانب الاجرائية لضمان النزاهة، ابتداء بإجراءات التسجيل وانتهاء بالاقتراع والفرز وإعلان النتائج، وقد أخذت الحكومة ببعضها في القانون، ثم هناك الترجمة الميدانية لهذه الاجراءات.
في ترجمة الإجراءات، أشير أولاً إلى قرار الحكومة بعرض جداول الناخبين على موقع وزارة الداخلية الإلكتروني، هذه خطوة مهمّة جداً لإظهار الشفافية، حيث الجداول تحت نظر الجميع على مدار الساعة وحتّى يوم الانتخاب. وكنت قد اقترحت هذا المطلب قبل أسبوع (26-5-2010) في مقالي بعنوان "حاولوا جعلها أفضل"، لكن في اليوم التالي قرأت تصريحات غير مشجعة عن صعوبة ذلك "فنّيا"، وها هي الحكومة تتجاوز هذه الصعوبة "الفنّية" وتقرر عرض الجداول على شبكة الانترنت.
نشجع الحكومة على المضي قدما ونقول شكراً لكل خطوة تساعدنا على بثّ الثقة بانتخابات مقبلة نظيفة. والخطوة الأخرى هي إفساح المجال للرقابة على الانتخابات من قبل المركز الوطني لحقوق الإنسان، وأي جهة خارجية ترغب بذلك. وقد كان هناك بعض التشنج في قبول الخضوع لـ "رقابة أجنبية"، وكأننا قُصّر، لكن قضية السيادة والكرامة الوطنية أمكن حلّها ببساطة بتبديل التعابير، فنقول بكل ثقة واعتزاز أهلا وسهلا بمن يرغب بمتابعة انتخاباتنا.
في موضوع الرقابة على عمليات نقل غير مشروع، حدثت من الانتخابات السابقة، من المشكوك فيه أن يستطيع أي مرشّح أن يتتبعها اسما اسما، ويقدم طعنا بكل واحدة منها، فكيف سيتمكن الناخب أو المرشح من التوثق من عشرات آلاف الأسماء، لذلك يجب قبول الطعن الإجمالي في الجداول وقيام الحكومة بالتدقيق في عمليات النقل التي حدثت وتسويتها، ثم فتح باب الاعتراض على هذه التصويبات.
تعودنا أن تكون الحكومة طرفا هامشيا في القرار الفعلي في الانتخابات، وهو ما أساء دائما للثقة بها، ويبدو أن الرئيس قد قرر توجيه رسالة واضحة حول الولاية العامّة للحكومة، بتشكيل لجنة توجيهية عليا للانتخابات برئاسته، إضافة إلى تعيين مستشاره السياسي ناطقا رسميا للانتخابات، وتلك إشارة مطمئنة.