فرصة ثانية وعاشرة

تم نشره الجمعة 04 حزيران / يونيو 2010 02:01 صباحاً
 فرصة ثانية  وعاشرة
عناية جابر

 خالدة سعيد كتبت تمهيداً، مدخلاً، لجديد الشاعر أمجد ناصر'فرصة ثانية'. مع ذلك يبقى تمهيداً يخصّ خالدة، مدخلاً مدموغاً بدمغتها، ومُقدّمة لا يُخيفنا جمالها، او يُرهب أو يُثني عن كتابة ما يرقد فينا منذ قرأنا' فرصة ثانية' لناصر. ومعلوم أنه لم يبق ما نُضيف على ما كتبت خالدة (دائماً لا يبقى ما نُضيف على ما تكتب)، وما كتبته غير قابل لأيّ إمتداد أو إضافة كثافة خاصة على إحساس الناقدة، أو فنيتها العالية، وايّ كتابة في نصّ أمجد بعد الجوهر الكلّي لخالدة، يكون من عالم منفصل عنها، ومن انعطافات شخصية تتفاوت بين كاتب وآخر وفقاً لسطوة جمال مغاير مختّص بما تكتبه خالدة، وغوص في هذيان داخلي (في ما يعنيني) من بديهية مواضعة الشعر، كلّ بحسب ضعفه حياله، لا بحسب قوته.

بداية، نستعير من خالدة في مقدمتها 'لعب المرايا،أو البحث عن الزمن المكتشف' لنأنس الى البناء وإن على قلعة ناجزة. نستعير منها لندخل الى نصّ أمجد ناصر في 'فرصة ثانية' من باب جانبي يُفضي من دون شك، إلينا نحن أولاً، نحن خدم الشعر وخادماته.

تقول سعيد:' نص ساحر متعدّد ومُحيّر بما يسمهُ من الزوغان والتداخل بين الرؤى الشعرية والقيم الحكائية. بين الذكريات الشخصية والإضاءات التاريخية، او أنها حكائية شعرية، رغم مراجعها المعيشة. هي شعرية، لا لأن العناصر الحكائية تجيء في لغة لمحية أو تنساب مشمولة بضباب الذكرى، ولا لأن حضور العناصر يُفلت من التحديد والتوالي الزمني ويمتنع على الإقامة في موقع أو إطار معيّن. هي شعرية لأن هناك رؤى ترفرف على مدى هذا النصّ السردي الذي لا يبوح باسمه ولا يبيح التصنيف، لأن هناك ما يترجرج في ماء الحلم بقدر ما يومض في ضوء الذكرى أو ينبثق من مدهشات الحفريات'.

حين قرأت' فرصة ثانية' تعمّدت القفز عن قراءة مقدمة خالدة، لأدخل رحاب ناصر من دون أسلحة، سوى هشاشتي التي تصلح لقراءة الشعر فحسب. تجاهلت قراءة سعيد لأقيم علاقتي الخاصة بنصّ ناصر، لأجدّد بالأحرى علاقة قديمة مع أكثر الشعر كثافة،مع أكثرهُ عدم استكانة وأكثرهُ علائقية بكل ما يُرعشني في الشعر، حركة الكلمات وموسيقاها وليس حقيقتها. لغة أمجد تنفجر فوق ماض مُفرغ بفعل الزمن، لكنه محروس في الذاكرة، صاخب وغاضب وسرّ غامض.

'بلى هناك جبل (يقول أمجد) لأنه في الصحراء يبدو كبيراً'. لن يكون على أمجد أن يتبرأ من استعادة مكانه الأول، لا تصويره، بل الأثر الذي يُنتجه في الشعر. مكان في المطلق، مُدنّس بالصفاء والذكورة، نشعر به في المفردة والصياغة، وفي عموم لغة أمجد ناصر التي مثل إحتضار روحي حقيقي:' تعرف أن اللغة تتغيّر. إنها الأفعى التي تبدّل جلدها، أو الحرباء التي ترتدي ألواناً وبراقع، لكنك لم تعرف أن الكلمات، وربما الأشياء أيضاً، يمكن أن تموت برحيل امرأة بدوية، غالباً ما شوهدت مقرفصة، على هيئة غزالة مُعمّرة، في حوش بيت تناقص قاطنوه بالتدريج'.

ما جدوى روعة نقل وقائع الطفولة والشباب في أفولها المتذبذب تقريباً طبقاً للعبة اللغة، إن لم يكن من أجل استعادة ملموسة ومشمومة للمفهوم الخالص للشعر. كل الحكائيات الشعرية في 'فرصة ثانية' هي بغرض التحرّر من راهن أمجد ناصر المادّي، من الملل إزاء الأشياء التي تأسسّت بصورة راسخة وغالبة. فالشاعر يستدعي الماضي، يستدعي معه الوجوه والأشياء في ظلالها الجلية، من خلال الإيحاء، والصمت المتكافىء بين الشعر والكون. يستعيد ناصر الماضي، وقد كفّ عن الحياة كإنسان إجتماعي، كي يشعر ثانية بدبيب الرحمة في العالم، كي يعثر ثانية على مفتاح نفسه. 'فرصة ثانية' إذن، ويتعلّق الأمر باستدعاء أشياء الماضي في حضور مثالي ينتصب في كلمات الشاعر، ويُلقى على عاتق الشعر كأداة للإستدعاء والسحر، وعلى الشاعر معاودة العثور على الطاقات المقدّسة للكلمة ووظائفها التعويذية، وهي وسيط هنا، بين العالم الروحي والعالم المادي حيث الحروف وتوافقاتها في شعر أمجد ناصر، نظاماً مُحكماً، مثل فلك روحي، يعيد إنتاج البنية الأساسية للشعر.

 

القدس العربي



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات