الديمقراطيات المسيحية

تشن اوساط اوروبية وامريكية حملة اعلامية واسعة ضد ما تسميه الاسلام السياسي وتتجاهل ان هذه الاوساط بالذات هي التي اسست لعلاقة الدين بالسياسة منذ القرن التاسع عشر, قرن ازدهار الثورة العلمية والثورة الصناعية الرأسمالية..
وتساعدنا الدراسة المهمة للباحثة الفلسطينية, ناديه ابو زهر, المنشورة في مجلة عشتروت "العدد الاخير الموجود في المكتبات" والتي يرأس تحريرها الصديق يعقوب قريو, على الانتباه لدور وحجم نفوذ الاحزاب الديمقراطية المسيحية في الحياة السياسية الاوروبية, وذلك على العكس تماما مما هو معروف او سائد عن خطابها العلماني.
واذا كانت هذه الاحزاب قد برزت في العقود الاولى من القرن العشرين, فان الديمقراطية المسيحية ابكر من ذلك بكثير وتعود الى استاذ القانون التجاري في جامعة ليون حين استخدم هذا التعبير عام 1848 في سياق دعوته لبناء حركة سياسية تواجه الثورات العمالية انذاك وهو تكرر بعد الثورة الاشتراكية الروسية التي اعقبت الحرب العالمية الاولى, وبعد الثورات الاشتراكية الاخرى التي اعقبت الحرب الثانية وترافقت في حينه مع مشروع مارشال الامريكي لمواجهة "الخطر الشيوعي" الذي يهدد اوروبا..
وقد اخذت الاحزاب الديمقراطية السياسية في البداية اسماء كاثوليكية شعبية بالاستناد الى افكار توما الاكويني قبل ان تستقر على اسمها الجديد.. وتلاحظ الدراسة ايضا, ان هذه الاحزاب ظهرت وازدهرت في بلدين رأسماليين كبيرين هما فرنسا صاحبة الثورة البرجوازية العلمانية 1789 والمانيا ارض الفلسفة. ففي الاولى حقق الديمقراطيون المسيحيون انتصارا كاسحا في انتخابات 1946 وعرف بعنصريته وقمعه لحركات الاستقلال في افريقيا والشرق الاقصى.. وفي الثانية قام الحزب الديمقراطي المسيحي على معاداة الاشتراكية واعتمد في تمويله على مصدرين: الشركات الكبرى, والصدقة "تساوي الزكاة عند المسلمين".. وقد برز من قادته كونراد اديناور, الذي عرف ايضا بعلاقاته القوية مع الحركة الصهيونية, ثم المستشار كول..
وإضافة لهذين البلدين, فان احزاب المحافظين من الحرس القديم والجديد في الولايات المتحدة وبريطانيا وبلجيكا واسبانيا وغيرها, هي نسخة اخرى من الاحزاب الديمقراطية المسيحية.