أباطرة في مصحات عقْلية !!

بعض الأمراض النفسية التي تصيب أفرادا سرعان ما تنتقل عدواها الى الجماعات وتتحول الى وباء، لكن المجتمعات التي تنظر باستخفاف الى الطب النفسي وتصف من يزور عيادة طبيب نفسي بالجنون وتشعره بالنبذ لأنها تتحاشاه تستشري فيها الاوبئة بلا اي رصد او تلقيح، مما يفقدها اخيرا المناعة كلّها . من هذه الامراض ما يسمى الاعتقاد الخاطىء الفكرة المتسلطة، والافكار واخيرا الشيزوفرينيا . والفكرة المتسلطة هي تلك التي تسيطر على العقل وتحجب عنه كل شيء سواها، بحيث يجد المصاب نفسه يفكر بامر واحد على مدار اللحظة وليس الساعة فقط، اما الإنكار فهو اصرار المصاب به على ان كل ما يراه ويسمعه لا يغير من الأمر شيئا فلو كان الانكار متوجها الى شخص آخر فإن هذا الشخص قد ينال اعتراف العالم كله ، لكنه يبقى خارج وعي من اصرّ على انكاره، وهناك انكار آخر هو الانكار الذاتي بحيث يصر المصاب به على انه يعاني حتى من المرض الذي يتستر عليه ويعامله كما لو كان عورة . ويجر الانكار من تأخذهم العزّة بالاثم على ما يسمى التفكير الرّغائبي بحيث لا يرى الانسان الا ما يريد رؤيته ولا يسمع غير صدى صوته لكن المصاب بالانكار يدفع الثمن اخيرا وبعد فوات الاوان، لأنه ليس معيار الصواب والخطأ، بل ليس معيارا لأي شيء . وقد تصاب حتى جماعات واحزاب بآفة الانكار، ثم تنتهي الى ما انتهى اليه دون كيشوت في حربه التي اعلنها على طواحين الهواء وتكسّرت فيها كل سيوفه ! اما الشيزوفرينيا، فهي تتخطى عندما تصبح وباء اجتماعيا ونفسيا الافراد ليصاب بها المجتمع كله، فالمرضى او الشواذ يتواطأون فيما بينهم على انهم الاسوياء وان الاخرين من الاصحاء هم المرضى، لكن هذا التواطؤ لن يغير من الحقيقة فمن يقف امام المرايا ليؤدي التحية لنفسه ويتخيل انه امبراطور لا يشاركه هذا الاعتقاد غير مجنون آخر وقد يشتبك الامبراطوران في لحظة ما ثم يجدان انهما معا ويقتسمان رغيفا وكوب ماء في مستشفى للامراض العقلية . فنتمنى ان يقلع مجتمعنا عن عادات موروثة بكامل اخطائها ومنها الاستخفاف بالطب النفسي، فالذين يزورون عيادات الاطباء النفسيين هم بالتأكيد العقلاء الذين شارفوا على الشفاء !!
(الدستور 2016-01-25)