المرّ والعلقم

تم نشره الأربعاء 27 كانون الثّاني / يناير 2016 12:36 صباحاً
المرّ والعلقم
محمد أبو رمان

وصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري، (في الرياض قبل أيام) العلاقات الأميركية السعودية بأنّها "أقوى من أي وقت مضى". ويبدو هذا الوصف أشبه بـ"المجاملة الدبلوماسية".

وزير الخارجية الأميركي نفسه حمل رؤية واشطن تجاه الملف السوري وأراد فرضها على المعارضة السورية، وتتمثّل باختصار في أربع نقاط رئيسة: تشكيل حكومة ائتلافية عبر انتخابات، وليست حكومة انتقالية؛ والسماح بترشح بشار الأسد في هذه الانتخابات، من دون تحديد فترة زمنية لرحيله؛ وفرض أسماء وشخصيات معينة لتمثيل المعارضة السورية، كصالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وهو ما يشكل استهدافاً لخطة العمل التي أنجزها ائتلاف المعارضة السورية في الرياض قبل نهاية العام الماضي؛ والنقطة الرابعة الأهم هي إقرار البيت الأبيض بعدم التدخل، سواءً كثّفت روسيا من تدخلها وعملياتها العسكرية في سورية أم أوقفتها.

إذن، وضع كيري المعارضة السورية والسعودية، ومن ورائهما تركيا، أمام الأمر الواقع، وكشف عن التحول، أو بعبارة أدق الانقلاب الاستراتيجي في الموقف الأميركي، وفيه "انحياز" كامل للموقف الروسي-الإيراني. فماذا يمكن أن يفعل الطرف الآخر؛ أي المحور السعودي-التركي-القطري، ومن ورائه المعارضة السورية، أو الهيئة العليا للمفاوضات؟

لا يخفى أنّ المحور السعودي-التركي يواجه تحديا لا مثيل له، وهو في وضع محرج؛ فالأتراك في عزلة إقليمية حقيقية، والدب الروسي يتربص بهم، ولديهم مشكلات داخلية كبيرة، والضغوط أو الابتزاز الأميركي-الأوروبي للوقوف، دبلوماسياً، معهم ضد بوتين في أعلى مستوياته، وتبدّى بزيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدين الأخيرة لأنقرة.

في المقابل، السعودية لم تمرّ بلحظة تاريخية أكثر خطورة من الوضع الراهن؛ تورط في معادلة معقدة في اليمن، وصفقة طهران-واشنطن، وتفكك البيت الخليجي واقعياً، وانخفاض شديد في سعر النفط، وتمدد إيراني واسع في المنطقة، بالإضافة إلى أزمة الأيديولوجيا والسلطة بين الدولة والحركة السلفية!

مثل هذا الوضع المعقد جداً يفرض على مواقف المعسكر السعودي-التركي استحقاقات، أو بعبارة أكبر مجازفات غير مسبوقة؛ إمّا القبول باللعبة الدبلوماسية ومسايرة الولايات المتحدة وأوروبا، مع إدراك حجم التحول في موقفهما، أو الإصرار على موقف هذا المعسكر في سورية، والعمل "تحت الطاولة" لتحويل نشوة الروس والإيرانيين بالتفوق المؤقت، إلى جحيم حقيقي، عبر دعم نوعي للمعارضة، حتى لو لم يوافق الأميركيون!

ماذا لو تصوّرنا أنّ السعودية قبلت بالضغوط الغربية، وأجبرت المعارضة على الموافقة عليها؟ على الأغلب ستتفكك المعارضة السورية نفسها، وتتعزز الجبهة الصلبة العسكرية، المترددة أصلاً في القبول بالمسار الدبلوماسي، ما يعطي اليد العليا على الأرض للنصرة وداعش والفصائل المتشددة، وينهي، عملياً، أي قيمة للهيئة العليا للمفاوضات، ولشخصيات معتدلة مثل رياض حجاب وجورج صبرا وغيرهما.

مفترق طرق صعب وقرارات خطيرة، فقد دقّت ساعة الحقيقة، ويجد السعوديون والأتراك أنفسهم اليوم وجهاً لوجه أمام ما كانوا يتحايلون عليه، وهو التحول الجذري في الموقف الغربي من الملف السوري، وما يقع وراءه من تداعيات إقليمية وداخلية أكثر خطورة، تتمثل بغلبة المحور الإقليمي الجديد (الإيراني-الروسي-السوري) في الملفات الأخرى؛ العراق وسورية ولبنان واليمن!

ماذا يمكن للسعودية وتركيا أن تفعلاً اليوم؟ أولاً، أن تقررا استراتيجياً، بلا مواربة أو أنصاف مواقف، هل هما حقّاً حلف حقيقي استراتيجي أم لا؟ وثانياً، دراسة الخيارين المطروحين؛ إما الاستقلالية ورفض التصور الأميركي والإصرار على دعم المعارضة، وإعادة تأسيس قواعد اللعبة الإقليمية وإغراق الروس في سورية؟ أو المهادنة مع الغرب والإمساك بالعصا من المنتصف، ما يعني هزيمة غير معلنة، لحفظ ماء الوجه!

(المصدر: الغد 2016-01-27)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات