الضارة الرافعة !!

بعيدا عن منطق الضّارة النّافعة ، لان الدم أغلى من ان يقارن بأي شيء آخر غير الدّمع ، فان مجزرة البحر المتوسط التي تعرضت لها قافلة الحرية اضاءت على نحو ساطع بل حارق كل ما كان مُحتجبا وراء الغبار والدخان اللذين تفرزهما الميديا المضللة ، تبعا لتلك الموعظة التي تقول: كلما استطال الليل واستبدت العتمة استطالت ايدي اللصوص.
وباستثناء الولايات المتحدة وبعض ضواحيها الاوروبية ، فان العالم الآن يتوحد في موقف صريح ضد اسرائيل. والقطفة الاولى لهذا الحصاد الدامي هي سحب بعض الدول لسفرائها من اسرائيل وقطع العلاقات معها كما فعلت تركيا ونيكاراغوا وجنوب افريقيا والقائمة لم تقعد بعد.
كاتب بريطاني يعلن رفضه التام لترجمة اي من كتبه الى العبرية ، مذكرا ايانا بكتاب عرب او اشباه عرب يلهثون وراء هذه الغنيمة ، بحيث يرتضون ما يعفّ عنه الذباب ، وكاتب سويدي يسخر من اسرائيل قائلا انها في المرة القادمة بل في الباخرة القادمة ، قد تستخدم السلاح النووي لابادة الناشطين من مختلف جنسيات العالم. ومواطن امريكي يعلن العصيان على قانون الضرائب الذي يؤدي الى دفع خمسة عشر مليون دولار لاسرائيل يوميا.
فرنسيون وبلجيكيون والمان وهنود ويهود من خارج السرب ، يذكرون العرب بما نسوه عن عاصمة روحهم وقدسهم ، ان موعد الصحو من غيبوبة قسرية حقن العالم خلالها بجرعات سامة من مبيدات الوعي وفيروس اللامبالاة والعدمية ، ففلسطين الآن بكامل تضاريسها تحت الشمس وعلى مرأى ومسمع من ستة مليارات انسان رغم ان هناك من يصرون على التعامي بانتظار ان يصابوا بالعمى المزدوج ، عمى البصر وعمى البصيرة.
لم تكن المجزرة قد ارتكبت في المياه الدولية في البحر المتوسط عندما امتنع الاكاديميون البريطانيون عن اي تعاون مع مراكز البحث في اسرائيل ، ولم تكن الدماء قد صبغت هذا البحر عندما تظاهر ملايين الاحرار في العالم ضد حصار غزة.
ما سيحدث الآن هو اضعاف ما حدث من قبل ومن كان يتلفت قبل ان يدلي برأيه خشية من الاتهام باللاسامية ، يصرخ الآن ملء الفم ، فلا سبيل الى المراوغة او امساك العصا من الوسط ، لان الحق بائن والباطل بائن ، وما من مساحة رمادية بين الاحمر والاحمر.
ولدى العرب الآن فرصة ماسيّة اذا استطاعوا الامساك بها وعدم تفويت هذه المناسبة لان المناخ الدولي شبع بالاشمئزاز من اسرائيل ومزاعمها واطروحاتها التي انهى التاريخ صلاحيتها المحدودة.
انه اول الدم واول الغيث معا ، قدر تعلق بالامر بتمدد شهوة القتل الاسرائيلية الى شعوب اخرى غير العرب وفي مقدمة هذه الشعوب الاتراك.
لقد رفعت ارملة شهيد تركي علم فلسطين فوق تابوت زوجها وهي تقول من اجل هذا العلم كي يبقى مرفوعا في السماء استشهد زوجي واعطت الكوفية الفلسطينية التي كانت تلف بها رأسها الى ابنها الصغير ، فأي ميراث هذا وأي اعتاق لفلسطين من غمدها الجغرافي كي تعود الى ابعادها الانسانية والقومية والعقائدية.
ان ما جرى بعيدا عن الضارة والنافعة ، هو رافعة جديدة لقضية عادلة اوشكت على الغرق.. والانهار لا تعود الى منابعها،،.
الدستور