"سقوط الحصار".. هذا ما فعله الأتراك!

كما أنّ المبالغة في رفع سقف التوقعات من الموقف التركي (التاريخي مع الفلسطينيين اليوم) غير منطقية، لأنّهم لن يكونوا عرباً أكثر من العرب أنفسهم. فإنّ التقليل والتسخيف من الصدى الهائل الذي ولّده الحضور التركي هو تفكير غير واقعي ولا منطقي.
دبلوماسي عربي رفيع وموثوق يعتقد أنّ الحصار على غزة انتهى سياسياً، وهو بانتظار إعلان الوفاة الواقعية، بتوقيع من المجتمع الدولي خلال الأشهر القريبة. هذا الاستنتاج لا تعوزه المصداقية ولا الأدلة حتى من الصحافة الإسرائيلية نفسها، التي تشهد نقاشاً ساخناً حول فشل الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية، ومطالبات برفع الحصار عن غزة.
ما فعله الأتراك، ببساطة، أنّهم حرّكوا العالم والمجتمع الدولي، حتى النظام العربي الراكد، وردّوا الاعتبار لمعاناة سكان غزة، فأصبح العالم يبحث عن "مخرج" من هذا المأزق الأخلاقي والإنساني، وبدا الحصار عبئاً ثقيلاً محرجاً لإسرائيل وللولايات المتّحدة الأميركية، وبات التخلّص منه مطلباً عالمياً ملحّاً اليوم.
السؤال برسم الإجابة عنه، ممن يشككون في الدور التركي وأهميته وإمكانية الإفادة منه، لو كان هنالك إرادة عربية صادقة؟ لماذا لم تحدث هذه التحولات الكبرى إلاّ عندما دخل الأتراك على الخط؟..
أين العرب! أليست مصر هي من أغلقت معبر رفح وساهمت في الحصار، بذريعة الضغوط الأميركية والدولية والإسرائيلية! من الذي بدأ ببناء الجدار الفولاذي بين غزة وسيناء؟! لماذا بقي معبر رفح مغلقاً وجزءاً من الحصار؟!
ما فعله أردوغان والأتراك أنّهم أذابوا الثلج عن حقيقة موقف النظام الرسمي العربي، فكشفوه، ودفعوه إلى تغيير مواقفه من غزة وأهلها، فتداعى وزراء الخارجية العرب إلى الاجتماع في القاهرة (بعد الاعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية)، وقرّروا التحرك نحو الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي مرّة أخرى لرفع الحصار عن غزة، بعد أن أصبح موقف دول أوروبية متقدّماً على الموقف الرسمي العربي!
الآن، لا يجري الحديث فقط عن "كسر الحصار" واختراقه، بل عن رفعه بالكلية، وتخليص مليوني مواطن في غزة من جريمة يومية، كان يتواطأ عليها المجتمع الدولي والنظام العربي جهاراً نهاراً، قبل أن يقلب الدور التركي الموقف رأساً على عقب!
الاعتزاز بالأتراك لا يتأتى من قبيل الأوهام، ولا حكاية "البطل المخلّص". لكنه شعور بالغيرة مما نفتقده نحن. ما فعلوه باختصار أنّهم ضربوا الدعاية الإسرائيلية وحطموها، وعولموا الصراع، وذلك هو الفرق بين الدول والمجتمعات التي تملك إرادتها وقرارها وبين الدول و"المجتمعات المحنّطة" التي تدور حول نفسها!
حصار غزة لم يكن خياراً إسرائيلياً فحسب، بل عربي كذلك، بُني على فرضية ساذجة أنّه سيؤدي إلى تجويع الناس وثورتهم على حماس، وإسقاطها سياسياً وشعبياً. وهي فرضية سقطت منذ العدوان الإسرائيلي، وتأتي اليوم صحوة الضمير العالمية لتُكسِّر ما تبقى منها، وتمنح أهل غزة، ولو قليلاً، من حقوقهم البشرية الأساسية!
الغد