الباب العالي الجديد (1-2)

قبل خمسة قرون اطاح العثمانيون الاتراك بآخر حكام مصر الفاسدين على دفعتين في مرج دابق (1516) قرب حلب ثم على باب زويله في القاهرة, وحولوا الدولة العثمانية التي تكرست كقوة صاعدة بعد فتح القسطنطينية (بيزنطة) الى امبراطورية كبرى (1453) وشاءت الاقدار ان تتحالف بيزنطة الجديدة (الاستعمار البريطاني والفرنسي) مع المهزومين في مرج دابق لطرد تركيا على دفعتين على الحدود المصرية في غزة ثم قرب حلب في بلاد الشام.
وكان الفارق الوحيد هو الموقف اليهودي, فمقابل دور الاتراك في انقاذهم من المذابح المسيحية ضدهم في الاندلس ودمجهم في الدولة العثمانية فيما عرف بيهود الدونمه, لعب اليهود دورا كبيرا في هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الاولى بعد ان زودوا الجيش البريطاني في معركة غزة بغاز الخردل..
وها قد لاحظتم ايها الاصدقاء والقراء الاعزاء ان شبح مرج دابق وفتح القسطنطينية يحوم من جديد من دون مدافع وفي مفارقة لم يفطن لها احد: لا ماركس في حديثه عن التطويب المسلح ولا المستشرقين الاوروبيين, بل ان هذه الخلطة التركية (الطورانية القومية واسلام الزوايا الصوفية) لا تقدم ابدا كذلك ولا تقول تركيا كما الصين انهما قوى عظمى صاعدة...
وقد لا يعرف كثيرون هنا ان الاسطول التركي غير المسلح لفك الحصار عن غزة مقابل الطبعة الاصلية القديمة (الاسطول المسلح لفتح القسطنطينية والمدافع في مرج دابق) جاء على خلفية شديدة الاهمية:-
1- الفاتورة الضرورية لاية قوة صاعدة في الشرق العربي والاوسط وهي تحقيق انجاز ما على الصعيد الفلسطيني.. ويبدو ان الاتراك حققوا تقدما كبيرا يليق بهذا الاداء السياسي الرفيع مقابل انحطاط النظام الرسمي العربي ومراكزه (السنية) المتواطئة مع العصابات اليهودية التي تحتل فلسطين.. ويقال هنا ان الاتراك قرروا فتح ميناء خاص في غزة بعيدا عن المصريين واليهود وحصارهما المشترك للقطاع وهو ما قد يفسر كرم القاهرة المفاجئ لفتح المعابر, والهستيريا اليهودية الاجرامية ضد سفينة مرمرة التركية والمتضامنين العزل فيها.
2- وقريبا من لغة الموانئ وخطوط النفط والغاز كانت تركيا وفي مفارقة اخرى قد تفاهمت مع روسيا (عدوها القديم من بطرس الى الشيوعيين) على خطوط جديدة للنفط والغاز على حساب الملاحق الشيوعية الروسية السابقة في اكرانيا وجورجيا.
3- اما الجوائز الكبرى, فتشير الى انقلاب في المعادلات العالمية وليس الاقليمية وحسب, وستجد امريكا نفسها مرغمة ومضطرة الى الاستسلام لهذه الوقائع الجديدة والتعامل مع تركيا كشريك عالمي واقليمي معا, اما ضحايا هذه الشراكة فهم ما يعرف بعرب الاعتدال وكذلك دولة العصابات اليهودية الى جانب القوى الصاعدة الاخرى, ايران والصين, واكرانيا وجورجيا والاكراد والشيشان.
العرب اليوم