الاتحاد الأوروبي في مواجهة أزمة اللاجئين

تم نشره السبت 13 شباط / فبراير 2016 12:52 صباحاً
الاتحاد الأوروبي في مواجهة أزمة اللاجئين
د. غسان العزي

يتعامل الاتحاد الأوروبي بإرباك شديد مع مشكلة تدفق اللاجئين وطالبي اللجوء إلى أراضيه. هؤلاء يهربون من جحيم الحروب وخطر الجوع في بعض بلدان الشرق الأوسط، فيتكدسون على الحدود التركية أو الإيطالية أو اليونانية. وتحاول أوروبا مواجهة هذه الأزمة على ثلاث جبهات متوازية تتفاوت في أهميتها وفعاليتها.

الجبهة الأولى، الأبعد، هي جبهة الدول التي يهرب منها النازحون تحت ضغط الإرهاب «الداعشي» والمعارك بين النظام السوري ومناوئيه. الجبهة الثانية، الأقرب، هي أوروبا نفسها والتي تتعرض حدودها الخارجية للهجوم من تدفق اللاجئين، وحدودها الداخلية التي تحكمها اتفاقية شينغن والتي تتعرض للخرق والمراجعة وربما تنتهي تحت ضغوط هذه الأزمة. وأخيراً هناك الجبهة الوسطى، أي جبهة الدول المجاورة لسوريا والعراق، تحديداً تركيا والأردن ولبنان، حيث يتكدس ملايين النازحين في مخيمات ومراكز استقبال تعيسة.

على هذه الجبهات الثلاث يحاول الأوروبيون السيطرة على أوضاع أضحت أكثر فأكثر تعقيداً وصعوبة، بسبب استمرار اللاجئين في التدفق نتيجة استمرار الحرب. وآخر موجة منهم تلك التي تسبب بها القصف الروسي على ريف حلب تمهيداً للهجوم عليها.

في سوريا والعراق اختارت أوروبا التدخل العسكري بالترافق مع الفعل الدبلوماسي. فالمفاوضات التي افتتحت في اليونان، برعاية الأمم المتحدة تطبيقاً لاتفاق ١٨ ديسمبر/كانون الأول الماضي وبموافقة الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، يشارك فيها الأوروبيون ولو بفعالية أقل من الأمريكيين والروس. والقصف الجوي الفرنسي والبريطاني ضد داعش جعل أوروبا في قلب العمل العسكري ولو أن الاتحاد الأوروبي غير موجود كاتحاد. وقد لا تمنع التسوية السياسية في سوريا، إن حصلت، استمرار الحرب على «داعش»، لكنها قد تؤدي إلى وقف موجات النزوح.

الجبهة الثانية التي يعمل فيها الأوروبيون هي جبهة البلدان المجاورة لساحة الحرب، أي تركيا والأردن ولبنان، التي تستقبل الملايين من اللاجئين. فقد قرر الاتحاد الأوروبي زيادة مساعداته المالية لهذه الدول بغية مساعدتها على تحسين شروط استقبال اللاجئين وردعهم عن الذهاب إلى أوروبا. هذه الأخيرة تعتبر أنه من المهم، كما قال فرانسوا هولاند «إبقاء المهاجرين في أقرب مكان ممكن من بلدانهم الأصلية». والشراكة الموقّعة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في ٢٩ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي هي النتيجة الأولى لهذه السياسة. فالاتحاد سوف يمنح أنقرة ثلاثة مليارات يورو لمساعدتها على تنظيم استقبال النازحين. في المقابل تعهدت أنقرة بتقوية مكافحتها للهجرة السرية وغير المشروعة إلى أوروبا.

يقول جان- كلود جنكر، رئيس المفوضية الأوروبية، إنه «لا مناص من التخفيف عن كاهل تركيا التي تستقبل أكثر من مليوني نازح سوري ومليون عراقي». بعض النازحين - عددهم غير معروف بدقة - يمكن لهم الاستقرار في أوروبا، حيث يتم التمييز ما بين «إعادة تموقع» اللاجئين الذين سبق ودخلوا إلى أوروبا، و«إعادة تمركز» اللاجئين الذين تمركزوا في البلدان المجاورة لسوريا والعراق. أخيراً فقد حصلت تركيا على الوعد من الاتحاد الأوروبي بإعادة إطلاق المفاوضات المتعلقة بانضمامها إليه.

الجبهة الثالثة والأخيرة تتعلق بالاتحاد الأوروبي نفسه و تحديداً باقتراح المفوضية الأوروبية إعادة توزيع اللاجئين بين الدول الأوروبية نفسها، بموجب حصص يتم الاتفاق عليها بحسب عدد سكان كل دولة وقدراتها الاستيعابية. «إعادة التموقع» هذه تهدف إلى التخفيف عن اليونان وإيطاليا الغارقتين تحت أمواج اللاجئين وطالبي الهجرة. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء يتطلب وقتاً ليس بقصير لتطبيقه، تحديداً بسبب معارضة دول أوروبية عديدة له خاصة في أوروبا الشرقية، فهو يرمز إلى ضرورة التضامن بين الأوروبيين بحسب روح معاهدة ماستريخت المنشئة للاتحاد. وفي الوقت نفسه يود الاتحاد تقوية الرقابة على حدوده الخارجية بغية «إنقاذ» معاهدة شينغن، أي الإبقاء على الحدود الداخلية مفتوحة بموجب هذه المعاهدة.

صحيح أن هذا المبدأ المؤسس للاتحاد الأوروبي يتعرض اليوم إلى اهتزاز شديد. فقد أعادت بعض الدول نقاط العبور على حدودها إلى ما كانت عليه قبل شينغن، في وقت تعيش اليونان تهديداً بإخراجها من الاتحاد والنمسا أقامت حاجزاً مع سلوفينيا، وألمانيا شددت قانونها المتعلق بطلبات اللجوء. وبات الوضع متوتراً على الحدود بين فرنسا وبريطانيا لاسيما في منطقة كاليه الساحلية، حيث يتكدس المهاجرون في ظروف قاسية جداً، ويحاول بعضهم العبور عبر بلجيكا. ويعاني الداخل الفرنسي انقساماً حاداً بين المدافعين عن حقوق الإنسان ومنها الهجرة والمتطرفون، مثل حركة بيغيدا الممنوعة والجبهة الوطنية، الذين ينظمون التظاهرات، كما في كاليه في ٦ فبراير/شباط الماضي، حيث تم توقيف أربعة مسلحين فيها إضافة إلى الجنرال السابق كريستيان بيكمال، بسبب الشعارات العنصرية التي رفعوها. في المحصلة تتعرض سياسة أوروبا المتعلقة باستقبال اللاجئين إلى امتحان جد عسير.

على هذه الجبهات الثلاث ترفع أوروبا شعارات رنانة ومبادئ عظيمة لكنها لا تفعل الكثير. على الجبهة الأولى ترك الاتحاد الأوروبي فرنسا وبريطانيا بمفردهما في الخطوط الأمامية، رغم أن وزنهما العسكري يبقى متواضعاً في الائتلاف الدولي. على الجبهة الثانية تبقى المساعدات الأوروبية لتركيا والأردن ولبنان دون المستوى الضروري المطلوب. على الجبهة الثالثة يصطدم استقبال المهاجرين بغياب إرادة حقيقية لدى معظم الدول الأوروبية. لذلك يؤكد النائب الأوروبي السابق جان- لوي بورلانج أن الاتحاد الأوروبي بصدد تكبد هزيمة على الجبهات الثلاث.

(الخليج 2016-02-13)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات