الصهيونية على تخوم خريفها!

اذا كان القوميون الانفعاليون والرومانسيون قد اساؤوا من حيث لا يدرون الى الفكرة التي يدافعون عنها لهشاشة اطروحاتهم ، فان كل من سار على هذا الطريق حصد الهشيم ذاته ، والقضايا التي لا يقيض لها محامون بارعون وذوو باع قد تتحول من عادلة الى العكس ، ومن سوء حظ العرب أن أنبل الأفكار والقضايا تعرضت لتسفيه اعلامي ، حرمها من أهم ما فيها ، وما كتب عن نهاية الصهيونية وفشل المشروع الاستيطاني في فلسطين كان على الاغلب تعبيرا عما يسمى التفكير الرغائبي ، لهذا فان ما يمكن ان يقال عن نهاية هذا المشروع قد يعامل باستخفاف انطلاقا من تلك الرؤى العابرة والمعالجات السطحية.
الفكرة القومية ليست من البساطة والتسطيح بحيث توضع في القطب المضاد والمقابل لاية فكرة تبشر بحذف الحدود بين الثقافات والقوميات ، انها تخضع اساسا لسياقات تاريخية محددة ، ولا يمكن لمن لم تستكمل هويته اقانيمها ولم يستكمل استقلاله ان يتعامل مع الفكرة القومية كما يتعامل معها هؤلاء الذين استقرت دولهم واوطانهم ودفعوا غاليا ثمن الاستقلال غير الزائف والشكلي. لهذا نحتاج الآن الى تحرير بعض المعالجات تحت عناوين قتلت رواجا وبحثا ، كي تعاد صياغة الاسئلة والهواجس على نحو علمي دقيق.
وقدر تعلق هذا بنهاية الصهيونية فان الأمر يتجاوز النبوءات والتوقعات الى الحقائق ، فالصهيونية الآن ليست في ربيعها على الاطلاق كما أنها ليست في خريفها بالمعنى الذي ينذر باسدال الستار على مشروعها ، انها الآن تتعرض لاختبار تاريخي جدي ، وقد لا تصمد الاسطورة طويلا ، اما جدلية التاريخ ، لأنها حادية البعد ، وما ان تترجل من عليائها حتى ترتطم بواقع بالغ الصلابة والتعقيد ، وهذا ما يحدث الآن للمشروع الصهيوني الذي تأسس على تسويق جملة من المفاهيم ، منها تزوير التاريخ ذاته في بعده الحدثي ، ومنها اغتصاب دور الضحية واحتكاره بحيث لا يحق لضحاياها الأنين وعليهم ان يتأقملوا مع نزيفهم وما حل بهم من تهجير قسري ، ومنها ايضا خداع الرأي العام وتضليل مليارات البشر بحيث يصبح التاريخ كله مجرد حفلة تنكرية تتبادل فيها اطراف الصراع الادوار.
ما قاله مفكرون يهود مضادون للصهيونية عن هذه النهاية ليس مجرد رؤية متشائمة أو اطروحات ثأرية على صعيد الايديولوجيا ، ومن أحرق جواز سفره الاسرائيلي على مرأى من العالم في حديقة هايد بارك أو حمل حقائبه وعاد الى باريس أو نيويورك ليسوا مجرد بشر ضاقوا ذرعا بمشروع تحول بعد ستين عاما الى كمين ، انهم يرون أبعد مما يرى الجنرال والحاخام معا ، يرون أحفادهم القادمين بعد عقود وهم يعانون من مديونيات اخلاقية وسياسية لا ذنب لهم فيها ، لأن من أورثهم اياها هم قتلة محترفون وقراصنة بحر وبر وجو ، وقد تمكث دولة أو فكرة زمنا في ربيع صناعي أوراقه من مطاط أو بلاستيك ، لكنها سرعان ما تجد نفسها ترتطم بالجدار،.
وحاصل جمع ما كتبه شاحاك واسرائيل شامير وبورغ وشلومو رايغ وميشيل مزراحي وآخرون هو النذير القادم من داخل المشروع نفسه بأن لانهاية وشيكة ، وان اسبارطة الجديدة التي تعيش بفضل الجولوكوز الامريكي في غرفة الانعاش لن تكون خاتمة المطاف لعالم بدأ يتحرر من الغيبوبة ويصحو على جرائم اسرائيل التي تورطه ايضا بقدر ما ساهم في التمويل والتسليح.(الدستور)