"معارك المونديال" العربية!

من قال أنّ العرب يرضون بالغياب عن "مونديال" كأس العالم، وأنّهم قد اكتفوا بفريق واحد (أكّدت خسارته أمس تواضعه الفني)؟!
أبداً! فالمساهمة العربية في المونديال العالمي حاضرة بقوة، وإن لم تكن في "المستطيل الأخضر"، فهي في حملات الردح والشتم المتبادلة.
لم تكد تنتهي "المعارك الإعلامية"، التي وتّرت العلاقات السياسية بين مصر والجزائر (في نيل بطاقة التأهل للبطولة)، حتى اشتعلت "نيرانها" ثانيةً مع إرهاصات البطولة، على خلفية احتكار قناة الجزيرة الرياضية لبث المباريات، وتحكّمها في بيع حقوق البث للقنوات العربية الأرضية.
المفاجآة الحقيقية كانت مع المباريات الافتتاحية والتشويش الذي أصابها، فسرعان ما اتّهمت الجزيرة أطرافاً (بالتأكيد عربية!) بالوقوق وراء ذلك، وتقدّمت بشكاوى، وهدّدت باللجوء إلى القضاء، وأيدّت الفيفا حقّها بذلك، فيما انطلقت الحملات الإعلامية العربية، في المقابل، باتهام الجزيرة بـ"تسييس" المونديال، والانتقائية والاحتكار، وبالتناقض!
ويبدو أنّ "المعارك الإعلامية" ما تزال في طور التسخين والإحماء، وأنّ الأيام المقبلة ستشهد "ملاحم" تبرز فيها فنون استثنائية، لا يملكها الآخرون، وستبدأ "المطابخ الإعلامية" بالتحضير للمواجهات الساخنة!
كنّا سنتفهّم، ولو مجاملةًً (!)، تلك المعارك الإعلامية، لو كان هنالك منتخبات عربية محترفة متنافسة، كالأرجنتين وإسبانيا والبرازيل، مثلاً، فرُبما أيقظ كلّ منها مشاعر الجماهير الوطنية وأجّجها، فأنسى الحكومات مشاكلها وأزماتها التنموية والاجتماعية والسياسية، التي تهدد المستقبل الاقتصادي والسياسي لدولنا ومجتمعاتنا!
لكن أن يكون كل هذا الغضب، والتحشيد الشعبي والإعلامي، على خلفية الاختلاف على "بث المونديال"، فإنّنا بالفعل نستحق أن نكون "أضحوكة" العالم، ومسخرته!
في الوقت الذي تنشدُّ فيه "معاركنا الإعلامية" إلى "ملاعب" جنوب أفريقيا، فإنّ هنالك معارك سياسية حقيقية، وسجالات إعلامية ساخنة تدور في إسرائيل وأميركا وأوروبا، على خلفية الدور التركي المتنامي في المنطقة العربية. لكن موقعنا (هنا) ليس فقط في "مقاعد المتفرجين"، كما هي الحال في جنوب أفريقيا، بل نحن "الملعب"!
الدور التركي الجديد، تحديداً بعد الاعتداء على أسطول الحرية، فرض، مرّة أخرى، إعادة التفكير بمستقبل الشرق الأوسط، وشغل مراكز البحث الإسرائيلية والأميركية في تحليل أبعاده وآفاقه والسيناريوهات المستقبلية، بينما تخصص أعداء تركيا في أميركا والغرب بحملة إعلامية واسعة ضد الحكومة التركية الحالية، ولم يخلُ الأمر من مؤيدين ومناصرين لهم من "سماسرة" الإعلام العربي!
اليوم، تُرسّم معالم "الملعب الجديد"، وتعاد هيكلة قواعد اللعبة الإقليمية، بعد تفكك آخر هياكل النظام العربي، وانهيار قدرته على التكيف مع المتغيرات، فيتنافس "اللاعبون الأقوياء" على ملء "الفراغ الاستراتيجي"، بعد انتهاء مرحلة "المحافظين الجدد" في الإدارة الأميركية.
ما دامت "السياسة العربية" معطّلة، فلا بأس أن يمارس الإعلام العربي "رياضة الكلام"، لعلها تشغل شعوبنا، قليلاً، عن همومهم المتراكمة، سواء في "ملاعبنا"، أو حتى ملاعب جنوب أفريقيا! (الغد)