عروبة فلسطين .. قضية محورية في الثورة العربية الكبرى
المدينة نيوز - : انتم تعلمون والله على ما اقول وكيل، بأنني لم اصل الى ما وصلت اليه من النكبة الا من اجل فلسطين ولو لم اتمسك بها ولم احافظ على التفريط بهذه البقعة الطاهرة ، لما حصل شيء مما انا فيه الان، وانه ليؤلمني والله ان اراكم على هذه الصورة من التخاذل والشقاق ، فلماذا لا توحدوا صفوفكم ولماذا تقاتلون بعضكم بعضا، انكم في اعمالكم هذه تضعون البقية الباقية من الحرمة والاعتبار التي كانت عالقة في اذهان الاجانب بل تكشفون من اموركم فتخسرون كل شيء " كان ذلك آخر تصريح صحفي للشريف حسين بن علي في عام 1929، والذي اجراها معه صحفي فلسطيني حسن صدقي الدجاني ".
واضاف الشريف حسين في ذلك التصريح :"سيأتي يوم تعرف فيه الامة العربية انني قمت بكل ما اوحاه علي الضمير والاخلاص، وضحيت بكل عزيز وغال غير ان تخاذلنا وتفرقنا هو الذي ضيع الامال"، كما عبر في لقائه الصحفي هذا ان نفيه في قبرص كان نتيجة تعلقه الشديد بالقضية الفلسطينة وبالاخص قضية القدس وعروبتها، ووثقها، شكلت له فلسطين محور من محاور الثورة العربية الكبرى.
يقول مدير عام المكتبة الوطنية محمد يونس العبادي لوكالة الانباء الاردنية (بترا) : أن فلسطين شكلت المحور الهام في مراسلات الشريف الحسين مع مكماهون، وكانت بالنسبة له القضية الاولى والمعضلة الهامة ، لانه كان يصر على عروبة فلسطين وبالاخص عروبة القدس، وقد كرر في لقائه اكثر من مرة على أهمية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية حياة او موت ، وبخاصة قضية القدس.
وبين ان الشريف حسين بن علي خسر ملكه بسبب تمسكه بالقضية الفلسطينية ، وهذا ما عبر عنه في العديد من الوثائق وفي كل ادبيات الثورة التي ساهم في كثير من كتاباتها وكان يعبر فيها عن الوحدة والحرية والتحرر من الاستبداد والظلم.
واوضح ان كل منشورات الثورة العربية الكبرى التي صاغها الشريف حسين بن علي مليئة بالايات القرانية والاحاديث النبوية فهذا دلالة على تمسكه بالدين والعروبة، اذ كانت القضية الفلسطينية هي اولوية وشكلت نقطة اساس في مستقبل المملكة العربية التي خطط لها، وكانت الخنجر الذي تم ضرب فيه مشروع المملكة العربية والتي كانت تضم المشرق العربي كاملا.
وكان يعي ان القضية الفلسطينية والقدس يعني انعطاف في مخططات الثورة العربية الكبرى ، وبناء الدولة العربية القومية في ذلك الفترة والذي اثر على اهداف الثورة العربية الكبرى بالوحدة والحرية وصار هنالك تعارف ما بينه وبين الحلفاء ، والجيش الثورة العربية الكبرى التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الاولى ، لكن المشكلة التعارض مع المخططات الاستعمارية في ذلك الوقت والتي على رأسها القضية الفلسطينية.
واشار الى ان تصريحات الشريف حسين تبين مدى اهمية الاعمار الهاشمي الاول في سنة 1924 اثناء زيارته الى عمان، اذ جاءت الوفود من فلسطين وعلى رأسها الحاج أمين الحسيني، وقاموا بمبايعة الشريف حسين بن علي في عمان، وما تعكسه الصحف في تلك الفترة حيث تشكل المصدر الاساس للمعلومات،وهذا ما وثقته جريدة الشرق العربي التي كانت تصدر في عمان في العام 1924 ، حيث بينت ان الاعمار الهاشمي الاول والتبرع من الشريف الحسين ، والذي قام الملك عبدالله المؤسس، والذي كان اميرا في ذلك الوقت، بتسليم هذا التبرع الى المجلس الاسلامي الاعلى في القدس، والذي انتهى الاعمار في العام 1928 في احتفال اقيم في مدينة القدس، وكان اول اعمار لقبة الصخرة والمسجد الاقصى ، حيث تعرضت المنطقة في ذلك الوقت الى الزلازل، وكان هنالك خوف من انهيار جدران المسجد الاقصى وقبة الصخرة ودعا الشريف الحسين الى الاعمار.
وقال انه لدى زيارة الشريف حسين بن علي الى عمان أراد زيارة القدس، لكن بريطانيا منعته من دخول فلسطين ، وبررت ان هذا المنع خوفا من ان يثير مشاعر الجماهير للعروبة، اذ كان الشريف حسين بن علي شخصية مؤثرة في العالم العربي وكانت بريطانيا تخشاه ، واقتصرت زيارته كما اوردتها جريدة الشرق العربي على المقامات الدينية في غور الاردن ولم يصل حينذاك الى القدس...
في كانون ثاني عام 1924 جاء في خطاب الشريف الهاشمي الحسين بن علي في عمان امام الوفود العربية التي جاءت للترحيب به ما يلي: " لا اتنازل عن مبدأ واحد من المبادئ التي هي اركان النهضة العربية ، ولن اتنازل عن حق واحد من حقوق البلاد، ولا اقبل الا ان تكون فلسطين لاهلها العرب، لا اقبل بالتجزئة ولا الانتداب ولا اسكت وفي عروقي دم عربي ولن اوقع معاهدة اذا رفضت مطالبي وهي استقلال كل الاقطار العربية ، واني عامل دائما في سبيل الوحدة العربية والاستقلال التام، اقول الاستقلال التام للاقطار العربية كلها.
من جهة أخرى قال رئيس قسم التاريخ في جامعة اليرموك الدكتور جبر الخطيب ان بعد دخول الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى، بدأ العرب وبخاصة المتنورين منهم بالتفكير بالانفصال عن الدولة وتشكيل دولة عربية موحدة، والبحث عن زعيم عربي لقيادة الحركة على ضوء ذلك تم الاتصال بالشريف حسين بن علي.
واوضح ان اتجاه العرب نحو الحجاز لان اهله هم اهل الحل والعقد في مثل هذه الامور فبايعوا الشريف حسين بن علي الذي غضب لدينه الذي عبث به الاتحاديون ولقومه الذين اهانهم الظالمون وأن العرب لا يقاتلون العثمانيين بل كانوا يحاربون حزبا طاغيا .
واشار الخطيب الى انه وبعد انتهاء المراسلات بين الشريف وبريطانيا قام العرب بالثورة (النهضة) خلال الحرب ، وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى طالب الامير فيصل ممثل العرب في مؤتمر الصلح عام 1919، بالاعتراف المؤتمر باستقلال الشعب المتكلم باللغة العربية في آسيا بناء على الحدود التي حددها القوميين العرب في ميثاق دمشق.
واكد الملك الحسين بن علي في خطاب له قائلا: "فليس مثار حركتنا ومنشأ قيامنا غير مصلحة وكيان جامعة محض بلادنا العربية ، بدون تفريق في المذهب "، وحينما خطب الحسين في الحجاج موضحا موقفه من فلسطين أكد على عدم التفرقة فقال:" إنني انظر الى اهل فلسطين نظري الى اولادي" .
واوضح حرص الحسين على حق العرب في السيادة على فلسطين وعدم التنازل عنها مبينا انه بعد صدور وعد بلفور أثار سخطه وعكر خاطره واستنكره وتوجه الى بريطانيا مستكملا عما اذا كان ما بلغه عن التصريح صحيحا، واوضح بجلاء بأنه مستعد ان يتبع سياسة التسامح الديني كما اتبعها عمر بن الخطاب في العهد العمرية مؤكدا على عروبة فلسطين وحق السيادة العربية عليها.
وقال الخطيب رفض الملك حسين الانتداب ، اذ أكدت القبلة الناطقة بلسان الحسين، بأن الانتداب يعني الاستعمار، وأكدت ان البلاد العربية في العراق شؤون وفي الشام شجون وفي فلسطين غبون، وان الشعب العربي يرفض الوطن القومي للصهيونيين.
واضاف ان موقف الحسين كان واضحا بجلاء من المعاهدة البريطانية الحجازية العام 1922، واكد على عروبة فلسطين، والسيادة العربية عليها، وان فلسطين ضمن الدول العربية، وليطمئن الحسين اهل فلسطين بعث بخطاب الى رئيس الوفد الفلسطيني موسى كاظم الحسيني في مؤتمر لندن العام 1923، اكد له محافظته على استقلال ووحدة البلاد العربية في العراق وفلسطين وسائر البلاد.
واشار الخطيب الى تاكيد في خطاب له في عمان عام 1924، بانه لن يتنازل عن حق البلاد العربية ، ولا يقبل الا ان تكون فلسطين عربية، ولا يقبل بالانتداب والتجزئة ، ولا يوقع المعاهدة قبل ان يأخذ رأي الامة العربية، كما أكد بأنه يبذل روحه وحياته هو واولاده في سبيل تحقيق النهضة العربية واستقلال البلاد العربية بما فيها فلسطين.
واشار الى انه حينما وفد على الملك في عمان اعضاء المجلس الاسلامي الاعلى في فلسطين لمبايعته بالخلافة خطب فيهم قائلا "إني ما زلت ولا ازال شديد التمسك حتى آخر رمق من حياتي بالمبادئ التي قامت عليها النهضة العربية، مبينا انه قبل نفيه الى قبرص اكد الملك في رسالة له الى بريطانيا بانه لا يعترف بالانتداب ويرفض جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود وطالب بأن تكون محل اقامته في حيفا او يافا.(بترا)
