البحث عن عدو بديل !!

يحتاج العرب هذه الأيام الى ما يذكرهم بين وقت وآخر بأعدائهم الجذريين ، كي لا يتم تهجير شحنة الصراع الى ملاعب أخرى بديلة غالبا ما تكون حروبا دونكيشوتية ، تتكسر فيها السيوف على طواحين الهواء ، ففي غياب الوعي التاريخي بأولويات الصراع ، وترتيب مصادر الخطر ، تصاب العيون الكلية بالزوغان وهذا ما يسمى في علم النفس حروب التعويض التي تنهش فيها الضحية توأمها ، وما قيل عن سايكولوجيا المغلوبين والمقهورين بدءا من ابن خلدون حتى د. مصطفى حجازي يجد مجاله الحيوي وميدانه الآن ، في هذه الاحتكاكات البينية ، والتي تتجه غالبا من خلال بوصلة معطوبة الى الشقيق اللدود بدلا من العدو الذي أصبح يسمى الحميم ، حدث من طراز باخرة الحرية أعاد سهم البوصلة الى مكانه ، وفي أقل من يوم واحد ، وربما مختلف العواصم العربية ، وما كان يبدو عاجلا سرعان ما تحول الى آجل ، وما كان على رأس القائمة ورأس اللسان تراجع وأصبح الناس يشعرون بالحرج من تكراره لبعض الوقت على الأقل.
لكن حليمة العرب سرعان ما تعود الى عاداتها القديمة ، لأن الطبع غلب التطبع ، ولأن الأسباب الحقيقية للتآكل والقضم المتبادل بدلا من التكافل والتكامل لا تزال ماثلة ، وثمة فقهاء متخصصون في النفخ في الرماد ، لأنهم يصبحون عاطلين وضحية البطالة السياسية اذا تم ترميم الصدوع ، فهم يعششون فيها ويتناسلون فيها ، ومصائب الآخرين فوائد لهم.
ان مهمة النخب سواء كانت سياسية أو ثقافية لا تقتصر على الثرثرة والتأنق اللفظي في المجالس أو عبر منابر معطلة المفاعيل ، انها مهمة عسيرة تستلهم طاقتها وحيويتها من لحظات متأزمة ، يختلط فيها حابل كل شيء بنابل كل شيء آخر.
وما كان للحروب البديلة أو التعويضية أن تتلف النسيج القومي لولا أن النخب ضالة ، وهي أشبه بالمثل القائل.. عبد المعين يبحث عمن يعينه ، ففاقد الشيء لا يعطيه والمعادلة اخيرا قدر تعلقها بالوعي والتنوير ليست مقايضة بين اعمى وكسيح بحيث يجلس الكسيح على كتفي الاعمى ليدله على الطريق،
ومن سوء حظ العدو التاريخي والوجودي والجذري انه كسائر امثاله في التاريخ يعاني من عقب آخيل الذي سيموت منه ذات يوم ، واسرائيل تصرّ على تذكير العرب يوميا بانها العدو ، بما تمارسه وتنتهكه من مقدسات ورموز وذاكرة وطنية ، لهذا ما ان تقترف جريمة سواء تعلقت بالبحر او اليابسة او الفضاء حتى يصحو العربي الملدوغ بسم الغيبوبة السياسية من غفلته واوهامه ويدرك بان من يقاتله ويساجله هو التوأم والضحية ايضا ، ما هدفا لعدو واحد،
كم كانت التربية الوطنية والتأهيل التاريخي هشة الى الحد الذي تحل فيه مباراة كرة قدم مكان صراع تاريخي ومصيري.
وكم كانت النخب ولا تزال ضالة لانها الدليل الذي يكذب اهله.. ويقتادهم الى الهاوية ، سواء علم او لم يعلم فالمصيبة اعظم في الحالتين.
كفى تهريبا لشحنة الصراع وكفى حروبا دونكيشوتية بديلة.. فالعدو اوضح من ان يسمى،،
الدستور