البحث عن العشيرة

ازدحمت مكتبتي بالكتب القديمة والجديدة التي تتناول اصول العشائر والعائلات التي تبحث في منابت الانسان واماكن اقامته واهم محطات تاريخه والمعارك التي خاضها والحروب التي انتصر او انكسر فيها والشخصيات التي استلمت مناصب وزارية او قيادية في الدولة عبر تأسيسها وقبل.
هذه الظاهرة ليست جديدة في مجملها فهناك كتب تراثية كتبها ونشرها مؤرخون وباحثون من قدامى العرب, حتى قيل "فلان باحث بارع في علم الانساب" ولكن الذي يلفت النظر ويستحق وقفة تأمل هو تعزيز هذه الظاهرة في هذه الايام وكثرة و وفرة المنشور من الكتب التي تتناول هذا الموضوع فجعلت منه قضية معاصرة اصبح كل شخص يعمل على جمع معلومات تاريخية ربما غير حقيقية او تناقلها الكبار ولكنها لا تتكئ على أسس بحثية مؤرخة.
وتستفزنا هذه الظاهرة لتطرح سؤالا مهما هو: لماذا يحاول بعض المثقفين والكتاب والباحثين العودة الى الخلف والبحث في الجذور القبلية والعشائرية?! واعني لماذا يعود المواطن العربي الى العائلة في زمن تنمو فيه المجتمعات والدول وتكبر وتدخل في تكتلات اقتصادية وسياسية ومجتمعية وثقافية على مستوى القارات?
اخشى ان تكون اسباب هذه الظاهرة لا تنحصر في الرغبة بالمعرفة والتوثيق الادبي والعلمي, بل تتعداها الى ضعف الثقة بالسلطة ومؤسساتها في كل انحاء البلاد العربية, بل ربما اكثر من هذا التطور والاستنتاج, فيكون السبب الحقيقي هو "التقوقع" داخل المجتمع نفسه من خلال العودة الى العائلة - العشيرة والقبيلة وهذا يمثل تراجعا خطيرا على المستويات المجتمعية والسياسية كافة على حساب المجتمع المتكافل المتضامن.
هذه القضية تحتاج الى خبراء وباحثين ومفكرين لمعرفة واكتشاف الاسباب الكامنة وراء ظاهرة كثرة تأليف ونشر الكتب التي تتناول الانساب في مجتمعات تنتمي الى عصر التكنولوجيا وثورة الاتصالات التي جعلت من العالم الكبير قرية صغيرة..
واظن ان هذا الموضوع يستحق النقاش, رغم معرفتي بمدى الاعتزاز بالعشيرة في الثقافة السياسية والمجتمعية عند العرب..
كما اطرح هذا الموضوع لاكشف عن ظاهرة حقيقية داخل الوسط الثقافي تمثل تيارا جديدا يتجاهل القضايا المعاصرة والتحديات الكبيرة وسط هذا البحر العلمي والعالمي الواسع, ويشغل نفسه ويشغلنا بقضايا جانبية تشير الى وجود مشكلة داخل المجتمع.0
منذ القبول بالعقد الاجتماعي وتنازل الانسان عن شيء من حريته المطلقة ومصالحه الفردية من اجل المصلحة الجماعية وتكوين ونشوء الدولة, يتطلع الجميع نحو تطوير هذه المجتمعات وتمكين الدولة وتقويتها ومنحها شيئا من الهيبة والقوة وفق القوانين والتشريعات التي تنظم علاقة المواطن بالسلطة ولكل طرف حقوقه كما عليه واجبات يؤديها في المجتمع والدولة. ( العرب اليوم )