عن "الفيسبوك"

تتضارب الآراء كثيرا حول ظاهرة الفيسبوك الذي أصبح واقعا راسخ الحضور في حياتنا اليومية.
وتختلف طرائق التعاطي معه من فرد لآخر، ثمة من يتورط به بشكل مبالغ به فيتحول إلى إدمان خطير يستنزف الطاقة، ويفاقم حالة العزلة عن المحيط، ما يؤدي إلى مشاكل اجتماعية ونفسية كبيرة.
وقد أوردت الأخبار حكاية طريفة عن سيدة سعودية أوسعت زوجها ضربا بسبب ضيقها من إفراطه في التجول بين صفحات الفيسبوك، وكما هو معروف فإن قاطني فضاء الفيسبوك بلغوا عشرات الملايين من البشر ممن يجدون في هذا الفضاء متنفسا لهم ووسيلة حرة للتعبير عن ذواتهم من دون رقابة تذكر، وغالبا ما ينتاب غير المنتسبين لهذا العالم (وقد باتوا أقلية على ما يبدو) إحساس بالإقصاء والغربة وشبهة الرجعية الإلكترونية وقرر كثيرون منهم دخول هذا العالم الجديد نسبيا، ليس عن رغبة واقتناع بل رضوخ إلى تقليد سائد وضغوطات من قبل ضالعين في مجاهل هذا الفضاء المتشابك، المتحمسين للحديث عن مزاياه من حيث تحقيق سبل التواصل مع الآخرين وتبادل المعرفة والأفكار والانفتاح على العالم وكسر الحواجز بين الأفراد واستعادة العلاقات القديمة من رفاق طفولة وأصدقاء غيبهم الزمن.
وثمة حكايات تسرد عن لقاءات مثيرة تمت بين أصدقاء قدامى غابت أخبارهم منذ عشرات السنين واجتمعوا بالصدفة المحضة على الفيسبوك. وانخرطوا بحوارات مطولة عن الزمن الماضي الجميل وفي ظني أنهم سوف يتوقفون عند هذا الحد من الحنين، حين يكتشفون غياب المشتركات بينهم، ولا يمكنني تخيل صداقة حقيقية مكتملة العناصر تنشأ ضمن فضاء افتراضي لا يخلو من تضليل وخديعة.
وقد سردت عليّ صديقة في معرض تأكيد أهمية الفيسبوك في حياتنا عن تمكنها من استعادة ما سرق منها من نقود ومتعلقات شخصية في دولة عربية من قبل محتال بفضل الفيسبوك، حيث تمكنت من التعرف على وجهه ما سهل على الجهات الأمنية تتبعه وإلقاء القبض عليه، ويذهب الرافضون للفيسبوك من حيث المبدأ لاعتباره وسيلة تجسسية مرتبطة بالموساد مباشرة، فيما يتحفظ رافضون أقل تطرفا على انعدام عنصر الخصوصية وإمكانية التعرض للمضايقات والتحرش من قبل منحرفين يدخلون بأسماء مستعارة وهم كثر من دون شك، كما يعمد البعض إلى استخدام صفحته للتشهير بالآخرين وتصفية حسابات قديمة، ما قد يسبب الأذى النفسي الكبير، إضافة إلى توفر إمكانية التطفل من قبل أشخاص غير مرغوب بهم، وهذه مسألة لا يمكن ضبطها بالمطلق.
إذ يمكن لأي كان أن يصبح مخولا لدخول صفحات الكثير من الأشخاص والتجول فيها على راحته والوقوف على أفكارهم وبوحهم وصداقاتهم وعلاقاتهم الشخصية وصورهم العائلية، ولن يكلفه ذلك سوى عملية احتيال صغيرة ويكفي من أجل تحقيق ذلك الاطلاع على الصفحة الرئيسية للمشترك، ففي معظم الحالات نكتشف أننا نتصفح ألبوم صور كبيرا ليس إلا، طبعا لن يخلو الأمر من صفحات قيمة تتضمن تجارب إنسانية، ثقافية وفنية مهمة تستحق التعميم والمشاركة.
ومع ذلك فإن الجدل حول هذه الظاهرة سوف يستمر طويلا بين متحمس بشدة ومعارض بقوة ولا أظن أنه قابل للحسم بشكل نهائي، لأن لكل طرف وجهة نظر لا تخلو من صحة.
أيا كان الأمر فإن الشبكة عموما والفيسبوك خصوصا، ورغم ما يبدو من توفر إمكانات التواصل الهائلة غير المحدودة خلالهما، غير أنها بشكل ما ساهمت في تأكيد عزلتنا الراهنة، فأوهمتنا أننا نجحنا بوصل البعيد، رغم أنها أمعنت تماما في إقصاء القريب.