كرة القدم.. والمنسف!

أصابتني حمّى كرة القدم مثل الكثير من الملايين من الناس في العالم هذه الأيام ، فوجدتني أتشجع لمشاهدة عدد من المباريات، كلما وجدت إلى ذلك سبيلاً، فيما يزداد حماسي يوماً بعد آخر لمعرفة أوضاع الفرق، وتلك المصائب أو الأفراح التي تحل على الدول والمشجعين، وقد يستغرب بعضكم حين يعرف أن علاقتي بكرة القدم على مدار السنوات الطويلة تقتصر فقط على متابعة كأس العالم مرة كل أربع سنوات، وبعدها أدخل في بيات شتوي طويل، لا آبه خلاله أبداً لأحوال المباريات الأخرى، بل كثيراً ما أنزعج من أولئك المشجعين المتعصبين للأندية الصغيرة، أو الفرق غير المعروفة، على أساس جهوي أو إقليمي أو عرقي، وأتساءل بحسرة كلما سمعت عن مواجهات بين أنصار الفرق، أو مع رجال الأمن، والخراب الذي يحصل كل مرة، كيف يسبب الفهم الخاطىء للدور السلمي الجميل لكرة القدم بديلاً عن الحروب الدموية، والصراعات القاسية، في أن يقود بعض المشاغبين والمتطرفين إلى تحويل وجهة هذه اللعبة المسلية والجميلة إلى تحقيق غايات ليست رياضية أو ترفيهية، بل من أجل تفريغ الحقد الأعمى، وتأجيج الصراعات، وتصفية الحسابات، ولنا في ما حصل بين مصر والجزائر على المستوى العربي الدليل الساطع.
سيتساءل بعضكم الآن عن زجّ "المنسف" في حديث عن كرة القدم، فأقول لكم بأن الأمر يرتبط عندي في مسألتين، أولها تفسر إحجامي عن متابعة كرة القدم في غير موسم كأس العالم، إذ يشبه هذا الأمر برأيي تناول ساندويتش فلافل على سبيل المثال بعد وليمة دسمة مثل المنسف، ولهذا فإنّ على لاعبي الفرق أن يقدموا لنا تجارب عالية المستوى في هذه اللعبة الجماهيرية الخطيرة لكي يقنعوننا بمتابعتهم في غير موسم كأس العالم، وهناك طبعا الكثير من الفرق المعروفة والتي تضم اليوم العديد من النجوم من أبطال اللعبة، والذين يطاردهم المعجبون في كل مباراة، لكن طقس كأس العالم مثير ومختلف تماماً، وهذا يقودني إلى المسألة الثانية المتعلقة بعنوان مقالي، إذ نلاحظ أن الفرق العالمية المعروفة تجتهد بشكل مذهل في مجال التدريب للاعبيها ضمن انضباط عسكري صارم، يقود إلى الفوز والشهرة، فالأمر جدي تلك الدول مثل الأرجنتين، وإيطاليا وألمانيا وغيرها من أجل تشكيل فريق يلتزم كل أفراده بوسائل اللياقة البدنية العالية، ونوعية الطعام وغيرها من أجل أن تجعل اللاعب يقضي نحو 90 دقيقة من الركض المتواصل خلف الكرة بفعالية وحرفية، وهنا أتساءل عما الذي ينقص اللاعب العربي ليصبح في مصاف اللاعب العالمي، ولماذا لا تجتهد الفرق المحترفة المدعومة مالياً إلى أن تصبح علامة صعبة في دوري كأس العالم؟ ولماذا تبدو الأشياء عندنا عكسية وتنقصها الجدية حتى قياساً لدول العالم الصغيرة أيضا والفقيرة؟
وهنا أود أن أنقل لكم حكاية سمعتها عن لاعب كرة قدم معروف من أحد فرق الدوري الممتاز عندنا قبل سنوات عديدة، حينما لعب في مباراة عصر أحد أيام الجمعة بثها التلفزيون، وكان واضحاً للمتفرجين أن هذا اللاعب يمشي بتثاقل في المعلب، ويبدو أداءه محبطاً، وحين سأله بعضهم بعد انتهاء المباراة عما جرى له، قال : بصراحة يا جماعة تغديت منسف وأجيت ألعب!
وفي هذا المثل كفاية لي ولكم في فهم أحوالنا، وطريقة تفكيرنا، مع عشقي الخاص لأكلة المنسف طبعاً، والتي لا تقاوم في أغلب الأحيان، إذ المقصود هنا التأشير على عدم الجدية لدينا غالباً في التعامل مع المهام المتعلقة بنا، أو عند القيام بالواجبات لكل شخص، وعدم المثابرة، ونقصان روح المغامرة والتحدي، وأخذ الأمور بلامبالاة، فدعونا نستمتع بكل حماس جميل وهادىّ بما تبقى من المباريات، انتظاراً على الأقل لأربع سنوات قادمات..!
yahqaissi@gmail.com