يا هلا بشيوخ البلاد.. وداعا أيها "الإصلاح"

إعلان في صحيفة يومية يدعو مسيحيي السلط إلى اجتماع للبحث في شأن الانتخابات. ليس للإعلان مغزى طائفي، فالاجتماع عشائري لا أكثر، فلا يحضره مسيحي كركي يعمل في شركة أدوية في السلط، أو مصري قبطي يعمل في محطة محروقات. وربما تدعو عشائر أخرى إلى اجتماع عبر الفيس بوك أو التويتر، فالمجتمع يتعامل مع ثقافة قديمة بوسائل حديثة مثل الصحافة والهاتف الجوال والإنترنت وغيرها.
باستثناء الإخوان المسلمين، وبعض الشخصيات المستقلة الوازنة التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، سيقتصر جهد معظم المرشحين على عشائرهم وإحياء تحالفات عمرها أكثر من قرن، من أجل الفوز بالمقعد النيابي. والذين يشمئزون من رائحة أقاربهم في الأطراف سيغرقونهم بعالم من القبل طمعا بأصواتهم. وسيخضع المرشحون إلى دورات في المهارات اللغوية لتصحيح "الأكسنت" بعد أن اعوجت ألسنتهم، بسبب طول الجفاء بينهم وبين قراهم التي غادرها الآباء قبل عقود.
سنرى عرضا كرنفاليا جميلا، ولا بأس بارتداء الأزياء الشعبية، لا بأس في كل ذلك طالما أنه قرر لنا أن نعود إلى التراث الأصيل أو المزيف. البأس في ألعاب الهوية الخطرة. فالكلام السخيف الذي يمجد عشيرة أو منطقة أو حارة على حساب الوطن والأمة لعبة طفولية مسلية لا خطر كبيرا فيها. ألعاب الهوية التي تمس العلاقة الأردنية الفلسطينية يفضل أن تمنع على"الأطفال" في السياسة وعلى "الكبار"!
في الانتخابات الماضية غطَى دخان التزوير الفج على ألعاب مارسها بعض الأطفال.على العلن خرج خطاب تقسيمي. وكل الخشية أن يتكرر الخطاب ذاته في هذه الانتخابات. وعلى الدولة أن تتحرك بقوة القانون لضرب من يثيرون النزعات الإقليمية. مكانهم المحاكم متهمين والسجن مجرمين لا مجلس النواب. لا تريدون مجلسا سياسيا؟ فليكن مجلسا من شيوخ العشائر ووجوه المخيمات. من أولئك الذين يحضرون الجاهات والعطوات ويصلحون ذات البين، أما من يطمحون بإشعال حرب أهلية فلا مكان لهم ولو كانوا يرتدون ربطات العنق ويتحدثون الإنجليزية. لا يكفي أن يتحرك المدعي العام لمحكمة أمن الدولة، على الناس أن تنتفض ضدهم. إذا تجنبنا حملات انتخابية وسخة في الأشهر المقبلة نكون حققنا إنجازا كبيرا. ولا أوهام في حملات انتخابية سياسية تناقش قضايا كبرى. لا وهم لأن من أفنوا أعمارهم في الأحزاب لا يستطيعون عقد مهرجان أو ندوة مكتفين بالاتكاء على وسائد المضافات مؤملين بدعم أبناء العشيرة. مجلس النواب المقبل لن يختلف عما رسمه عماد حجاج عام 1993 بيت شعر يظلل قبة التشريع. فيا هلا بشيوخ البلاد .. وداعا أيها الإصلاح السياسي.