متوالية التآكل والانحسار

سفراء اسرائيليون يترددون في قبول دعوات من الجامعات الاوروبية ومنهم من يعتذر لانه لا يستطيع مواجهة اسئلة الطلبة عما جرى ويجري في فلسطين ، ويهود صهاينة طالما عرفوا بمواقف يمينية مثل مارتن اندك يشعرون بالهلع على مستقبل اسرائيل في المنطقة ، ومحامون وناشطون يهود من طراز ستانلي كوهين يتولون الدفاع عن المحاصرين والمبعدين من فلسطين ، ومثقفون غربيون كانوا يعبرون عن نقدهم لاسرائيل همسا ووراء الكواليس علت اصواتهم كالطبول.. والمتوالية تعد بالمزيد من الافتضاح لمشروع ابادي تأسس على انقاض الاخر واقصائه.
ليس تفكيرا رغائبيا ، الالحاح على ان اسرائيل لم تعد تنعم بذلك الربيع الذئبي الذي طالما راهنت على ديمومته ، فالعد التنازلي بدأ ، لكن من الناحيتين الاخلاقية والثقافية وستكون السياسة بكل تجلياتها الحلقة القادمة من هذا المسلسل الذي يصفه بعض الغربيين ومنهم امريكيون بان مضجر ، فالابتزاز الهولوكوستي اشرف على الخاتمة ، لانه ببساطة فقد صلاحيته طيلة ستة عقود من تزوير الوقائع وارتداء الجلاء قناع الضحية.
ما نسمعه يوميا من يهود ذوي اطروحات مضادة للصهيونية لا بد ان يفضي في المدى المشهود الى سياق لا سبيل الى الاستخفاف به ، وقد تكون ثنائية التهويل والتهوين مناسبة جدا لما يحدث الان داخل اسرائيل وخارجها ، فالتهويل يصور حالة الانحسار والتآكل والتداعي داخل الدولة العبرية كما لو انها معاول تحفر قبرا لاسوأ مشروع استيطاني عرفه التاريخ ، والتهوين لا يرى في كل ما يقال ضد اسرائيل غير جملة معترضة ومنزوعة المفعول ، لان الدول في اوروبا كما هو الحال في امريكا لم تبدل من سياستها كحليف لاسرائيل ومدفاع عن خطاياها.
لكن الامور لا تقبل الاختزال على هذا النحو عندما تتعلق بمشاريع ومفاهيم طبخت على نار هادئة لاكثر من قرن ، وما تتعرض له اسرائيل الان باعتراف رئيسها بيريز هو سوء سمعة غير مسبوق وحالة من الانحسار الذي يوشك ان يكون حصارا دوليا ، لهذا تنشط اسرائيل الان عبر كل الوسائل لتجميل صورتها القبيحة ، وتسويق الخرافة ذاتها التي كانت تبث على مدار الساعة لاكثر من ستين عاما ، وهي انها تدافع عن نفسها ومن المعروف ان تسمية جيش العدوان باسم جيش الدفاع كانت من ابتكار بن غوريون كما اعترف بذلك الجنرال دايان ، لكن العالم لم يعد يصدق ان هناك دولة تستخدم احدث الاسلحة المدمرة للدفاع عن نفسها ضد طفل يحمل حجرا او سفينة تقل ناشطين من العزل الذين لا يحملون غير الرغيف والدواء والوردة الى شعب محاصر من كل الجهات.
ولا اظن ان هناك اية مساحيق تجميل سياسية او اعلامية يمكن لها ان تحجب الوجه الدموي القبيح . ( الدستور )