المدينة- الجحيم

المدن هي التنقل، فإن كان سيئا فالحياة جحيم، ومدن العالم الثالث في الغالب جحيم، فهي تكبر كثيرا وعشوائيا وتتبعها شبكة طرق سيئة ووسائل نقل جماعية رديئة، تزيد الاعتماد على السيارات التي تخلق ازدحاما خانقا فتلوث الأجسام وتسمم النفوس.
وعمّان مدينة مختلطة فيها شيء من الجنّة وشيء من جهنم حسب المكان والساعة والمناسبة، لكن في أغلب الأوقات والأماكن، فهي جهنم. وعاما بعد عام مع عشرات آلاف المركبات الإضافية سنويا، تُقذف على شوارع المدينة التي لا يمكن ان تتسع أكثر بعد استقطاع آخر شبر ممكن من الأطاريف والجزر الوسطية، ستكون عمان أكثر جهنمية إلا إذا أنقذتها خطّة صارمة ومحكمة، في القلب منها قضية المواصلات العامّة التي لم نقطع فيها شبرا واحدا.
الآن لدينا كوة أمل بمشروع "باصات التردد السريع"، لكن يجب أن أقول إنني أصبت بخيبة أمل جزئية وأنا اقرأ تفاصيل المشروع، كما رواها د. أيمن صمادي، فقد اعتقدت مع الحديث الواسع عن خطّة نشر السكك الخفيف داخل عمّان ومع محيطها، أن هذا المشروع هو باكورة تلك الخطة، تخيلت وهم يحجزون المساحة على جانبي الجزيرة الوسطى أن السكة الضيقة للترام ستأخذ مكان الجزيرة الوسطية من دون التأثير على سعة الشارع ومن دون ضجيج باستخدام الكهرباء. لكن لن يكون الأمر كذلك، ستكون باصات من النوع العريض والضخم المكونة من جزئين وتسير على الوقود، وبهذا لن تقدم حلولا بيئية وستحجز نصف الشارع على ما تعانيه الشوارع حاليا من ضيق.
المواعيد المنتظمة والتردد السريع (بمعدل 3 دقائق) أمر جيد، لكن هذا يمكن إنجازه بالوضع الحالي وعلى المحطّات الحالية للباصات نفسها، وهي أيضا لها أماكن محددة. نحن لم نستوعب والحالة هذه معنى المخطط المطروح، هل حُجز مسار لها على جانبي الجزر الوسطية يهدف الى تمكينها من السير خارج الزحمة؟ ألا يضاعف هذا بصورة خطيرة الازدحام على بقية الشارع الذي تمّ اقتطاع ثلثه؟ وما دام هناك مخطط للسكك الخفيف للنقل الداخلي في عمان، فما هو مصير المشروع الحالي؟ هل ستحلّ ترامات السكك الحديد محله؟ و لماذا لا يكون هذا المشروع هو المرحلة الأولى منه؟
نحن ننحاز بقوة ومباشرة لنقل عام بالسكك الحديد، على الأقلّ للشريانات الرئيسية في العاصمة. والفكرة ان القاطرات الدقيقة والطويلة لا تحجز مسافة أوسع من الجزيرة الوسطية التي يمكن استخدامها لهذه الوظيفة من دون التأثير على الشارع، وقبل ذلك ومعه ننحاز لاستعمال الكهرباء التي تقلل الضجيج والتلوث، كما يمكن استخدام باصات هايبرد صغيرة للنقل الفرعي الداخلي بين المحطّات الواقعة على الشريانات الرئيسية.
على كل حال هذه وغيرها من الملاحظات تستحق جلسة حوار لنفهم بشكل أفضل خلفيات القرار وتفكير المسؤولين في الأمانة، وكذلك سماع تعليق خبراء ومختصّين.(الغد)