العجز يهدد صحة المواطنين

لم يفلت قطاع رسمي او اهلي من الازمة المالية والعجز البليوني في الموازنة, وما قامت به الحكومة من اجراءات احترازية لحماية الطبقة الوسطى والفئات الفقيرة لم تفلح في تجنب التداعيات السلبية. التقرير الموثق للزميل ابراهيم خريسات وانور زيادات المنشور يوم امس في "العرب اليوم" حول ازمة صندوق التأمين الصحي يعد نموذجا لعمق الازمة وخطورتها لدرجة اقترب فيها الصندوق من العجز عن خدمة عشرات الآلاف من المشتركين جلهم من محدودي الدخل والفقراء.
مظاهر العجز اصبحت بادية في نقص الادوية وتراجع مستوى الخدمات الصحية المقدمة.
وزارة الصحة وحسب المعلومات الواردة في التقرير اطلقت صفارة الانذار اكثر من مرة وحاولت بشتى السبل اقناع الحكومة باستثناء القطاع الصحي من خطة التقشف وخفض النفقات. لكنها لم تجد لغاية الآن آذانا صاغية.
في السنوات الاخيرة توسع نظام التأمين الصحي بوتيرة عالية بدت للكثيرين مبالغا فيها وغير مدروسة احيانا, وفي حينه حذر خبراء في القطاع الصحي من خطورة التوسع العشوائي والعجز عن الوفاء بمتطلبات المشتركين.
لكن في ضوء الانسحاب المتسارع للدولة من الحقل الاقتصادي الجماعي كان لا بد تأمين شبكة حماية جماعية للفئات الشعبية واعلنت جميع الحكومات المتعاقبة التزامها بتقديم الدعم اللازم لقطاعي الصحة والتعليم, غير انها ومع تراجع ايراداتها بفعل سياسة الخصخصة والبيع وجدت نفسها مكشوفة وغير قادرة على الوفاء بوعودها. وبدأت تتخلى وبشكل تدريجي عن دعم التعليم والصحة.
في قطاع التعليم تتجلى الازمة بمديونية الجامعات وعجز موازناتها والاتجاه الى كسب المال على حساب المستوى الاكاديمي من خلال البرامج الموازية وقبول اعداد من الطلبة فوق طاقة الجامعات الاستيعابية.
اما في قطاع الصحة فقد لجأت الحكومات الى رفع قيمة العلاج في المستشفيات الحكومية وتخفيض النفقات والاعتماد المتزايد على القطاع الخاص ومع تفاقم الازمة المالية ها هو صندوق التأمين الصحي يواجه مأزقا غير مسبوق بعد ان سجل عجزا ماليا بقيمة 56 مليون دينار بسبب عدم "تحويل المبالغ المتفق عليها مع الحكومة عن تأمين المشمولين في شبكة الامان الاجتماعي" وتخفيض مخصصات الصندوق في اطار خطة ضبط النفقات والتقشف الحكومي. فدخلت وزارة الصحة في ازمة مركبة مع القطاعات التي تشتري منها الخدمات الطبية.
ولم تجد الوزارة من وسيلة امامها للتخفيف من حدة العجز سوى التوصية بتقليص خدمات التأمين الصحي بعدما وصلت قيمة المطالبات 122 مليون دينار منها 90 مليون دينار للخدمات الطبية الملكية والمستشفيات الجامعية ومركز الحسين للسرطان والمركز الوطني للسكري ومستشفيات القطاع الخاص.
نحن اذا امام ازمة خطيرة كان مسكوتا عنها لو لم تفتح الصحافة ملفها, فالحكومة لا تفضل الحديث في مثل هذه المواضيع في وقت تؤكد فيه ليل نهار ان حزمة القرارات الاقتصادية الاخيرة لن تمس الفئات الشعبية, لا بل وصل بها الامر الى حد القول ان زيادة الضرائب على البنزين وسلع اخرى اساسية يأتي في اطار برنامج لانعاش الطبقة الوسطى ودعم الفئات الفقيرة.
ولم نكن لنعلم ان الحلقة الثانية من مسلسل الدعم ستكون تقليص الخدمات الصحية للمؤمنين!(العرب اليوم)