قفا نبك

تم نشره الثلاثاء 29 حزيران / يونيو 2010 05:51 صباحاً
قفا نبك
نبيل عمرو

في مقال سابق، تحدثت عن بعض من مكابرة فتح، ولقد أثارت المقالة نقاشا واسعا بين من يقرؤون ويتابعون. وكالعادة، هنالك من استحسن المقال واعتبره نوعا من النقد الذاتي الإيجابي، وهنالك من رأى غير ذلك، فإما أنه يريد أن أقول أكثر أو أن البعض الآخر وتحت عنوان الحرص على فتح، لا يحب أن أتطرق إلى أي من سلبياتها، على اعتبار أنها بالجملة والتفصيل ظاهرة إيجابية، يجب أن لا تخدش صورتها الجميلة والمشرقة، خصوصا أمام خصومها المتربصين بها!

ومع أن لكل وجهة نظر، مسوغات بعضها نقبله والبعض الآخر نتحفظ عليه إن لم أقل نرفضه، فإن مجرد فتح حوار صريح حول فتح، وغيرها يفترض أن لا يضر، وحكاية تحريم نشر الغسيل غير النظيف هي في واقع الأمر نقيض الشفافية، وحين أتحدث عن فتح، فإنني أرى في نفسي مؤهلا موضوعيا لذلك، ورغم أن المؤتمر السادس، أنجح وأسقط ورفع وأنزل على صعيد الألقاب والمسميات وربما الامتيازات، إلا أنه لم يبلغ حد الفرز النهائي على قاعدة من نجح فهو الأكثر صدقا وموهبة والتزاما وعطاءً ومن لم ينجح فليس له من مكان إلا الرصيف. إن شيئا كهذا يجب أن لا يحدث كي لا تجد فتح نفسها يوما ما على الرصيف، ومنافسوها يسرحون ويمرحون في الشارع الرئيسي، ليس ذلك فقط وإنما يسكنون بيتها ويحتلون أدوارها لسهولة السكن في بيت تابع لحارس أملاك الغائبين!

حين أقصت حماس فتح عن السلطة، وبعدها بقليل عن غزة ولولا اعتبارات نعرفها جيدا لاتسع الأمر أكثر وأكثر، قال أحد المتذمرين وما أكثرهم هذه الأيام، إن فتح زرعت وحماس حصدت، وبفعل اهتمامي باللغة التي يجب أن تعبر جيدا عن المعنى فقد استأذنت صاحب المقولة بتعديل بسيط "إن فتح زرعت وهذا صحيح إلا أن كثيرين من زراعها سلموا المحصول لحماس"، كمخرج من الاقتتال على القسمة ووفق مبدأ عند حماس وليس عند خصمي ومنافسي في فتح! لنتفق أولا على أن فتح تعثرت كثيرا ووقفت طويلا على حافة السقوط، ولنتفق ثانيا على أن هذه الحركة التي شحت إنجازاتها خلال العقدين الماضيين، ما تزال على قيد الحياة وما تزال محل رهان لدى أعضائها وأنصارها ومن يضطرمون شوقا لرؤيتها في أفضل حال.

واتفاق جماعي على هذه الحقيقة، يفرض علينا طرح سؤال صريح لبلوغ جواب أكثر صراحة عنه، السؤال الصريح؛ هل يا ترى تحاول فتح، عبر قياداتها وإطاراتها ورئيسها، معالجة حالها، وترميم بيتها ووضع برنامج قابل للتطبيق على مستوى الوطن والشعب والقضية؟

إن القول نعم وسوق أدلة من نوع لقد قررت المركزية والثوري كذا وكذا أو إننا بحاجة لدورة اجتماعات جديدة نضع فيها النقاط على الحروف، فهذا واقع عاشته فتح على مدى عقود أفضت إلى أن تتكرس في واقعها معادلة تقول "تتضاعف الأماني والرغبات قبل الاجتماعات، إلا أنها ما تلبث أن تتبخر حين يحاول البعض القليل تطبيق القرارات".

إن الإجابة الصحيحة عن هذا السؤال الصريح تتلخص في كلمة واحدة (لا)، فلا قرارات المؤتمر العام الذي قدمناه لأنفسنا وللعالم على أنه كلمة سر التطوير والتجدد ولا المركزية ولا الثوري تستطيع البرهان أو حتى القول إنهم تصدوا لهذا السؤال الصريح ووضعوا برنامجهم للعلاج. كنا سمعنا قولا كهذا في أول أيام "شدة الغربال الجديد"، إلا أننا رأينا النتائج في واقعة الانتخابات المحلية، وسنرى ما هو أكثر في طريقة معالجة أمر استعادة غزة والوحدة الوطنية، حيث وفود فتح عديمة الجدوى لا تفعل أكثر من زيارات رفع عتب إلى غزة، ولم تحقق أي مردود سوى مضاعفة الإحباط واليأس، وحتى احتمال أن يقوم الرجل الأول في فتح بزيارة مماثلة على أمل أن تقدر حماس الزيارة وتدفع وجودها أو نفوذها في غزة ثمنا لها، فلقد بدا أن نتائجها باتت مقروءة سلفا... أي مثلها مثل غيرها.

إن وقائع عديدة أظهرت أن فتح دخلت مرحلة "إن لم نجده عليها لاخترعناه"، مع الاعتذار لشاعر الحب نزار قباني ومعنى هذا الجزء من البيت الشهير أنه إذا ما عز وقوع انجاز ضروري فلم لا نتخيله وننتجه بالكلام ونصدره للناس الذين بلغوا من أمر عدم التصديق حد اللامبالاة، لماذا يحدث كل ذلك لفتح ومعها .. والكل إما يصفق لانجازات وهمية وإما يستمرئ القول "ضع رأسك بين الرؤوس". حتى أننا سمعنا من يقولون امشِ الحيط الحيط على الأقل كي لا تدفع ثمن موقفك من موقعك..!

إن الذين يسعدون لتنامي مظاهر الضعف في فتح، ينبغي أن يحزنوا، والذين يعتقدون أن وصف ما بعد المؤتمر، بالإطاحة الموفقة بالرؤوس الكبيرة كي نجرب إبداع الصغيرة ربما بدأوا يكتشفون سطحية تقديرهم بل وكارثيته، ذلك أن اختصار حركة تحرر وطني على نوع معين من البشر حتى لو كان في قمة الكفاءة مع أنه ليس كذلك، يعني إضعاف المحصلة العامة للحركة وتكريس معادلة تقول "لا ينفع أن تكون قويا في شراكة مع ضعفاء، لأن الأقوى ومعه الأقوياء يقف لك بالمرصاد!! ويعرف كيف يجعلك عدو نفسك ومطلق الرصاص على جسدك"، وفصل انتخابات المجالس المحلية ما يزال شاهدا.

إننا بحاجة لأن نعرف بالوعي وليس بالمكابرة، كم يتضرر الفلسطينيون من تراجع مكانة فتح وكم تتضرر المعادلة الدولية التي تريد حلا متوازنا للقضية الفلسطينية من زعزعة نفوذ فتح، وكم سنبكي بدل الدمع دماً لولا قدر الله وقرأنا على باب بيت فتح الكبير "قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل". إن ماضينا وحاضرنا وغدنا متوقف الآن على لحظة صدق مع الذات ومع الحقيقة فإن كانت الحقيقة الأخيرة هي ما نراه الآن فليس لك يا فتح إلا معجزة!! ( الغد )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات