فوبيا الثانوية السامة

قبل عدة سنوات كتبت في هذه الزاوية وفي مثل هذا الموسم عن الثانوية السامة ، فهي لم تعد اختبارا لتأهيل الطلبة اكاديميا بقدر ما اصبحت فوبيا لعينة ، ما ان تدخل بيتا حتى تصيب كل ما فيه ومن فيه حتى الجدران والاثاث بالتوتر ، وكأن من يحصل على مجموع يؤهله للقبول في جامعة حكومية او خاصة سيجد الوظائف بانتظاره كي يختار منها ما يناسبه.
احد الاباء ممن لامست كلمة الثانوية السامة قلبه اتصل بي ليسأل عما اذا كان هناك لقاح ضد هذا السم كي يقدمه لابنائه الصغار الذين يقفون في طابور طويل بانتظار الثانوية العامة ، ولم اتردد يومئذ في القول بان اللقاح يجب ان يكون من الداء ذاته شأن كل الاوصال ، لهذا يجب ان تكون الابتدائية ومن بعدها الاعدادية او المتوسطة لقاحات اولية ضد هذه الحصبة الاقسى من الحصبات كلها سواء كانت حوض البحر المتوسط او المانية.
لكن بعض الامور تفرض نفسها على حياتنا كالطقوس والشعائر ، واحيانا تتحول الى اعراف اشد سطوة ونفوذا من القوانين ، ومنها طقوس الزواج والعزاء واخيرا الثانوية السامة ، وقد عرض في مصر مسلسل تلفزيوني يحمل عنوانا يزاوج بين المأساة والملهاة هو في بيتنا ثانوية عامة ، وهو تحوير لعنوان رواية تحولت الى فيلم سينمائي بعنوان في بيتنا رجل ، الجميع يصابون بالتوتر وفقدان التوازن وتعلن الطوارئ في البيت وعند الجيران والاقارب ايضا ويستوطن الهلع قلوب التلاميذ لانهم لو رسبوا لخيبوا ظن الامة كلها ، لهذا ثمة تلاميذ ينتحرون واخرون يصابون بالاحباط المزمن والكآبة المدمرة.
ويبدو ان اللقاح وتقديم الاوصال من مراحل الدراسة ما قبل الثانوية لم يفلح ايضا ، وما حدث هو العكس فقد تراجعت المناعة وتوطدت الفوبيا وصار هذا الموسم فزاعة للطيور والتلاميذ وليس للثعالب واذا استمرت هذه الحالة المشبعة بالحمى فان الحذر سوف يؤدي الى المزيد من التعثر وليس العكس ، ولا اظن ان الناس يعشقون العلم الى هذا الحد الذي يعلنون معه الحداد اذا رسب تلميذ في اختبار قابل للتكرار ، فالمسألة أبعد ما تكون عن العلم وهواجسه ، شأن كثير من الظواهر التي انفصلت عن مقدماتها ومناسباتها واصبحت مكتفية بذاتها كطقوس اجتماعية لا تقبل المناقشة،.
ولو كان هاجس الناس هو العلم لتبدل الحال ، واهتموا بمستقبل ابنائهم بعد اجتياز هذه الثانوية السامة.
لكن العلم تحول بفضل الحاجة والامية الى نمط انتاج ، وطريق قصير معبد الى الوظيفة ، لهذا لا يطمح كثير من الآباء الى ان يدخل ابناؤهم كليات انسانية ويقولون ان مستقبل من يدرس الآداب وحتى العلوم هو ان يكون مدرسا فقط ، ناسين ان الفيزياء والكيمياء والآداب مجالات حيوية ورحبة للتفوق والابداع ونيل اعلى الجوائز وفي مقدمتها نوبل.
نحتاج على ما يبدو الى لقاحات تربوية وأمصال ثقافية اخرى للوقاية من فوبيا الثانوية السامة،،. (الدستور )