احذروا مدمرات العلاقة بينكم وبين أبنائهم

تم نشره الثلاثاء 26 نيسان / أبريل 2016 12:30 صباحاً
احذروا مدمرات العلاقة بينكم وبين أبنائهم
سامية أنور دنون

الأطفال ..من منا لا يتمنى أن يكون أبا أو أما لملائكة الجنة الذين يمشون على الأرض، لكن! هل هذا بالأمر الهين البسيط؟ حتما الإجابة بلا،

فالتربية ليست سهلة على الإطلاق، وتطبيق الوجه السليم الصحيح منها أكثر صعوبة وتعقيدا، فأنت لن تحصل عليها من خلال كتب قرأتها أو دروس استمعت اليها من السنة متخصصين؛ وان كانا مفيدين للمعرفة والاطلاع، فكل هذا وتلك ما هو إلا مُجرّد حديث أو حبراً على ورق، إذا لم يلقى تطبيق فعلي واقعي في حياتنا، وتطبيقه يحتاج منا كثيرا من الصبر والمثابرة فمعظمنا يملّ ويتوقف عن المحاولة بعد أيام قليلة في غياب أية نتيجة ملحوظة، وان كان الأمر طبيعي فبلوغ قمم الجبال لا تكون بين ليلة وضحاها، انما ثمرة وقت طويل من التدريب والصبر والتكرار تلو التكرار.

ولأن غاية حديثنا هذا هو أمر جلل مهم، ولأن أولادنا فلذات أكبادنا هم أمانة في أعناقنا سنسأل عنها يوم الحساب العظيم، ولأن اخراج جيل جديد يحمل في نفسه وعقله الأخلاق والمبادئ الصحيحة هو أهم ما قد تصنعه أيدينا في هذه الحياة، لا بد أن نناقش هذا الأمر بكل وضوح وموضوعية، ونتطرق إلى مدمرات العلاقة بين الابناء والآباء، ونحاول حلها بصوت مرتفع لا حياد فيه ولا خجل، مبتعدين كل الابتعاد عن النصائح المتحذلقة التي تقدم وعوداً زائفة، والتي تنحصر في أفعل ولا تفعل، أو ان اردت أن تصبح أباً مثالياً أو تصبحين أماً مثالية فجأةً، فما عليك سوى فعل كذا وكذا، فكلما تراكمت هذه الأوامر واجتمعت، حوّلت علاقة الوالدين بأبنائهم إلى حربٍ وجحيمٍ لا يُطاق، وبعد المسافة بينهما من بضعة أشار إلى آلاف الأميااااااااااال.

النقد المستمر:

من منا ينكر دور النقد "البناء" الحقيقي في تقدم شخصية الإنسان ونجاحه؟ لكن كثيرا من النقد لا يأتي ثماره ناضجة وان كان بناء؛

فالنقد لا يقف الا على اظهار العيوب، ونقاط الضعف، والسقطات والهفوات- مهما تغير لونه وشكله وهيأته- وهذا ما تكرهه النفس البشرية المجبولة على حب المدح والثناء، وإخفاء العيوب وانكارها، وكره النقد عامة بناء كان أو غير بناء، فتلك نفس محملة بكثير من العقد والخبايا التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، ونفس الطفل أو المراهق مجبولة على ذلك أيضا، الذي يرى في النقد عدم تقدير لمجهوده، وانتقاص من قدراته، وهنا يكمن فَنّ إهداء العيوب لأبنائنا، بالنصيحة لا بالنقد ، والفرق بين النقد والنصح كبير جداً على غير ما يظن الكثير ممن اختلط عليهم الأمر، فالنقد غالباً ما يكون "هداما"، بينما تكون النصيحة دائما "بناءة وموضوعية"، لكن الأمر لا يقف عند حد النصيحة فقط لا غير! فالنصيحة أيضا تحتاج الى براعة وذكاء في توصيلها، وغلاف جميل في اختيار كلماتها بحيث يشعر الطفل أو المراهق بمقدار حبنا اليه، وسعينا الدؤوب لتحقيق مصلحته، بلفت نظره إلى "خطأ بسيط وقع فيه" وليس " هدم تام لمجمل أعماله وتصرفاته"، وأن نختار لذلك الزمان والمكان المناسبان له، فلا تقال على الملأ فتسبب الإحراج للطفل أمام الناس، ولا تكون جرعة قوية فيصاب بالحزن والخذلان، وهذا ما نُحبّذ أن يتبعه الآباء والأمهات في نقدهم لأبنائهم.

السخرية والتحقير:

لو كان يعلم الاباء كم في السخرية والتحقير أثر سلبيي مدمر على شخصية أطفالهم وأبنائهم، لما اقتربوا منهما مهما وصل الغضب في نفوسهم تجاه ابنائهم، فمها أسرع وأسهل وأهم وصفة سحرية سريعة تُمكننا من تخريج جيل من ذليلي النفس محبطي العزيمة، لأنها وبكل بساطة وسهولة، تميت وتقتل الاعتزاز بالنفس والطموح والتقدير الذاتي، الذي لا يكون الإنسان إنساناً سويا طبيعيا نافعا لنفسه ومجتمعه فيما بعد بدونهم، وهي الطريفة المباشرة السريعة لتخريج متمردين رافضين مسيئين، لأنفسهم ومجتمعاتهم أيضاً.

تذكّر جيدا أيها الأب وأيتها الأم: بأن أطفالنا وأبنائنا ليسوا موضعا وهدفا لمزاحنا، وأن الفرق كبير وواسع بين الفكاهة والاستهزاء، فجميع أن يتمتع الآباء بقليل من الفكاهة والمزاح، وهو مرغوب ومطلوب لجذب الولد إلى والديه، وتقريب المسافات بينهما، لكن كثيره لا يفعل ذات تلك النتيجة، بل على العكس تماما.

قد تبدو السخرية والتحقير بادئ ذي بدء لا تأثير لها ولا جدوى، إذ أن الأطفال قليلا ما يستجيبوا كثيراً لهذا النوع من الحديث - بناء على حديث أطباء النفس- بل قد يقابلونه بالضحك والاستهزاء، لكن تلك الآثار الوخيمة لن تظهر وتفاقم في نفسية الطفل سوى في فترة مراهقته، في الوقت الذي يبدأ المراهق بتشكيل صورة كاملة لشخصيته مستحضراً لذلك كل الصور القديمة التي أرساها له أحد والديه أو كلاهما، فإما أن تكون "بنيّة جيّدة متماسكة كاملة"، أو أن تكون "هشة ضعيفة مهزلة منقوصة".

التسلط والتحكّم:

أترك لطفلك حرية الاختيار ولا تختار له.

إن فرض وإملاء التعليمات والأوامر على الأبناء بصورة مستمرة رتيبة يأخر من بناء شخصيتهم القوية الجريئة، كما يأخر في تحملهم مسؤولية تصرفاتهم واتخاذ قراراتهم السليمة. ان خوف الآباء على ابنائهم يدفع بهم إلى التحكّم فيهم خوفاً عليهم من الوقوع في الخطأ والزلل، ولهذا يميلون الى فرض وإملاء الأوامر والتعليمات عليهم وإرغامهم على تنفيذها وتطبيقها كما هي بلا مناقشة ولا جدال، لكن "افعل كذا" و "لا تفعل كذا"، ما هي إلا قيود تقيد إبداع الطفل وحريته، وتحوله إلى آلة جامدة يطيع ولا يفكر، يقلد ولا يبدع، يخاف ولا يغامر، مما يُفضّل تعليمه كيف يقرر وتعويده على تحمّل مسؤولية قراراته.

إن سأل كل منا – الآباء- نفسه سؤالا منطقيا الا وهو الهدف والغرض الذي نرتجيه من تربية أطفالنا؟ فحتما ستكون إجابات كلا منا متشابهة، متقاربة، لكن بقوالب مختلفة متغايرة، الا وهو التنشئة الصحيحة السليمة لهم، وأن يكونوا قادرين على مواجهة هذه الدنيا عندما يخرجوا للعيش فيها بمفردهم بلا نصير ولا معين، متحملين تبعات تصرفاتهم وأعمالهم بكل مسؤولية. وحتى يتحقق هذا لا بد أن بتربيتهم - منذ طفولتهم - على تحمل المسؤولية، واتخاذ القرارات بحرية -لكل فئة عمرية وما تناسبه من تلك المسؤولية- وهذا لن يتحقق إلا بممارسته والتدرّب عليه، مع تقبل الخطأ منهم على اعتبار أنه شيءً طبيعياً جداً، ومتوقعاً أيضاً، فإن كان الخطأ لزيم الكبار! فكيف بنا نستهجنه ونستغربه على الصغار؟

المقارنة والتعميم:

يلجأ الأهل الى المقارنة بين اطفالهم وغيرهم من قرائنهم كوسيلة عتاب وتأنيب، اعتقادا منهم بأنها وسيلة ناجزة لتحفيز على تطوير شخصيتهم وقدراتهم، الا أن الحقيقة بإن أكثر ما يولّد البغض والكراهية والحسد في نفس الطفل هو مقارنته بغيره، لا سيما لذلك الآخر الذي قُرن به، إضافة إلى أنها حتما ستولد العناد في شخصيته كردّة فعل لتلك المقارنة، في محاولة منه إلى إثبات تميزه ووجوده بتمرّد وعناد شديدين، وهذا يظهر جليا في مرة مرحلة المراهقة عنها في الطفولة – الأطفال بحدّة أقل – .

تُعتبر المقارنة من أكثر الأخطاء الفادحات التي يلجأ إليها بعض الآباء إذ يترتب عنها إلى جانب ما سبق ذكره، تعويد الطفل على مقارنة نفسه بالآخرين وهو أمر غير صحيح ولا مقبول، لأن الإنسان بطبعه، إن قارن نفسه بغيره جلب المتاعب والمشاكل لنفسه، فإن كان غيره أفضل منه أو بمعنى آخر " متفوق عليه" مالت نفسه إلى حسد ذلك الأخر، أو انتقاص قيمة نفسه وإهانتها، أما إن كان الآخر أقل منه، فيجد في نفسه امتيازاً عليه، وتميل نفسه للغرور، والواقع أن الأمر لا يؤخذ هكذا بعمومه جزافا، حيث أن المقارنة على هذا النحو خاطئة مجحفة، فليس هناك الأفضل والأحسن بين الناس، ولا الأسوأ والأقل أيضا، فالضعيف في أمر قد يكون الأفضل في غيره، والأحسن في شأن ما حتما هو الأضعف في شأن آخر، ولهذا ينصح أطباء النفس والمختصين بسيكولوجية الطفل بأن يقارن الطفل بنفسه لا بغيره، بمعنى، أن تلفت نظره إلى أفضل أحواله وإنجازاته ومقارنتها بحالته وإنجازاته الحالية – أن كانت أسوأ وأقل درجة- بهذا يتنبّه الطفل للأمر ويحاول استرجاع ما فاته من تقدم وتميز، لأن عقله سيذكره مباشرة بذلك ويدفعه للأمام، لاقتناعه بأن بوسعه فعل ذلك مرة أخرى، فمن قام بذلك النجاح سابقا قادرا على تكراره وحصد نتائجه مرة أخرى.

أما عن التعميم وأثره السلبي في شخصية الطفل فأقول:" اذا كذب الطفل في موقف أو حدث ما، فأبحث أيها الأب وأيتها الأم عن السبب الذي دفع به إلى ذلك الكذب قبل أن تلصق به صفة "الكاذب" وتنعته بها وكأنها الوصف اللائق والمناسب له، فالطفل لا يعرف الكذب أبدا، ما لم يعتاد على سماعه ممن حوله! أو الخوف من العقاب. والمقصر في إنجاز واجباته، هو ليس بالضرورة "مهملا" أو "بليد" إنما مقصر يحتاج إلى تشجيع وتحفيز ليصبح أفضل وأكثر اهتماما بشؤونه".

إذن فالخطأ الذي يُرتَكب نادراً لا يجب أن يتم إلصاقه بالشخص على أنها صفة حقيقة فيه تُحدّد شخصيته، فليس فينا من تخلو شخصيته من كل الصفات السيئة ولو بنسب ضئيلة، فنحن بشر لا ملائكة، أما العمل على تقليص هذه الصفات والغائها في نفس أطفالنا، فهذا أمر واجب وضروري يقع على عاتقنا كآباء وأمهات -وليس على الطفل نفسه – بالبحث والتنقيب عن أسبابها التي دفعت بالطفل إلى اللجوء لتلك الممارسات الخاطئة والسيئة، والأهم من هذا هو التحلي بالصبر حتى يتم حذفها تماما من سلوكياته، فالأمر يحتاج إلى بعض الوقت وليس بين الليلة وضحاها.

الصُراخ والصوت العالي:

الصراخ والصوت العالي هما القاتل الأول والأخير للحوار، فالنقاش والصراخ ضدان لا يجتمعان أبدا، ونقيضان لا ينسجمان مطلقا، فإذا رغبت ببناء جسور التواصل والحوار مع أبنائك فعليك البعد كل البعد عن التحدث إليهم بصوت مرتفع، فالتواصل بين طرفين لا يستمرّ إن كان أحدهما صارخا في وجه الآخر، فكيف إن كان الحال أسوأ وأشد بلاء بأن كلاهما يفعل ذلك وليس أحدهما؟ ولهذا لا بد أن يقتنع الآباء بأن أصواتهم لن تدفع بأطفالهم إلى استيعاب ما يريدونه أسرع وأسهل! والهدوء لن يقلل من قيمة أفكارهم وجدواها!

إن اختلاف الاباء مع ابنائهم لا يعني بالضرورة أن يكون الاباء على حق دائما وأطفالهم على غيره، ولا يعني العكس بالضرورة أيضا، فقد يكون كلاهما على حق أو كلاهما على باطل، ولهذا لزام على الآباء الإصغاء لأبنائهم، وإعطائها الحق والوقت الكافيين للتعبير عن أفعالهم وأفكارهم، وتقبلها - وإن كانت لا تروق لهم – ما لم تكن حراما أو مما يغضب الله عز وجل، بدون اللجوء إلى الصراخ والصوت العالي المرتفع.

التوبيخ والتأنيب:

إن التوبيخ والتأنيب المتسمرين للطفل سلاح دعوى لتحمل المسؤولية بعد فوات أوانها ووقتها، فما قيمة الدعوى لأمر ما بعد مضي زمانه وأوانه؟ لهذا من المستحب التقليل منه قدر المستطاع واستبداله بالتوعية المسبقة لكل ما فيه خطأ أو ضرر، قبل الوقوع فيه، أما وأن وقع في الإبن وقد حذر مسبقا منه! فلا بأس من توبيخه وتأنيبه بكلمات موزونة محسوبة، فلا نغال فيها فتفقد معانيها، ولا المستمرّ والمتكرر طوال الوقت والتذكير به كلما سنحت الفرصة لذلك.

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات