والتين والزيتون

تم نشره الخميس 01st تمّوز / يوليو 2010 02:07 صباحاً
 والتين والزيتون
توجان فيصل
المدينة نيوز- الله جل جلاله أقسم بالزيتون. فقد ورد في الآية الكريمة «والتين والزيتون وطور سنين، وهذا البلد الأمين».

وليس هذا فحسب، بل إن وصف نور الله في القرآن جاء على ذكر الزيتونة المباركة، إذ تقول الآيات الكريمات «الله نور السماوات والأرض.

مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور».. فماذا فعلنا نحن بالشجرة المباركة وبزيتها المقدس في المسيحية أيضا، والذي فيه شفاء للعالمين؟؟ وهل كنا البلد الأمين على هبة الله تلك، الهبة الأقرب من كل ما في الأرض لنوره تعالى؟.

تقول الأخبار: إن إسرائيل التي اعتدت على السفينة التركية المحملة بمعونات إنسانية لأهل غزة المحاصرين، وقتلت بتعمد وبدم بارد تسعة مواطنين أتراك عزل على سطحها في هجوم شنته وسط المياه الدولية.. إسرائيل هذه هي التي هاج مستهلكوها وتجارها وصناعها مطالبين بمقاطعة البضائع التركية، ومنها الزيتون الذي رفضوا الاستمرار في عرض ما لديهم من منتجاته المصنعة في تركيا، بحجة أن صورة العلم التركي واضحة على غلاف المنتج كما على ظهر السفينة الضحية .

ولكن ليس العلم وحده ما قرر المعتدون أنهم لا يريدونه، بل هم حقيقة قفزوا لمحاولة فرض مقاطعة على تركيا، أي تطبيق ما أمكن من الحصار عليها بقرار إسرائيلي أمِلوا أن ينضم له حلفاؤهم، كما عودوهم، في عقاب الجاني اليهودي لضحيته .

وهو ما لم يتجاوب معه أو يعينهم عليه حلفاؤهم الغربيون هذه المرة، ولكنهم وجدوا بين العرب من يعينهم عليه .. أو على الأقل هنالك من حاول تخفيف أثر هذه المقاطعة عن إسرائيل، ولو على حساب شعوبهم.

وهو ما يقع في حكم الإعانة، لأن التاجر اليهودي لا يقدم على خطوة يخسر فيها مالا، إن لم يضمن أنه سيعوض بأكثر منه.

وواضح أن زيتون الأردن كان في اعتبار التاجر اليهودي عندما تنطع للمقاطعة التي تخشاها حكومته لأكثر من سبب اقتصادي وسياسي. ففيما كان التجار الإسرائيليون يعلمون تركيا بإلغاء عقودهم معها، كان وسطاؤهم التجاريين من عرب الـ48 ومن الأردنيين أيضا (إن جاز أن ندعوهم أردنيين بعد ما اقترفت أياديهم )، يتعاقدون مع مزارعين أردنيين لشراء محصولهم من الزيتون مبكرا، وبأسلوب «باب الحقل» الذي يغري المزارع الذي تنقصه السيولة الآن ويفتقر لأية حماية أو رعاية من حكومته، كما يوفر عليه كلفة التسويق الذي يترك أمره للمزارع الفرد في غياب الحكومة عن خدمة تسويق محاصيل استراتيجية كالزيتون.

فبذريعة اقتصاد السوق، تترك المزارع نهبا لهدر وقلة مردود وغياب أمان، ويبقى المستهلك الأردني في المقابل عرضة لتقلبات المواسم وأسعار السوق.. ومع توقع انخفاض محصول هذا العام من الزيتون، سيدفع المواطن المثقل بأعباء ضريبية جديدة فارق السعر لمادة تموينية رئيسية في استهلاكه الغذائي لا أقل.

المقربون من مزارعينا يقولون :إن بعض هؤلاء المزارعين لا يعرفون إن المشتري هو إسرائيل في حال كون الوسطاء أردنيين، أو لكون الصفقة تمر عبر سلسلة وسطاء. ولكن الحكومة تعرف حتما. فالتصدير والاستيراد من مهام الحكومات، وكذلك السياسات الزراعية والأمن الغذائي.. ناهيك عن الأمن بمعناه السياسي والعسكري،اللذين تهددهما إسرائيل، علنا، فيما يخص الأردن كما لا تهدد أمن أية جهة عربية أخرى بعد فلسطين التي تحتلها بكاملها احتلالا مباشرا.

فليس هنالك دولة عربية تتحدث إسرائيل عن تغيير سمتها أو حتى إزالتها، كجزء من مخططها الإستراتيجي، باستثناء الأردن.. حتى لبنان التي سبق لإسرائيل أن احتلته وصولا لعاصمته، حين تهدد إسرائيل بحرب ضده أو تلمح لها أو تنكر نيتها شنها، لا تكون تجرؤ على التفكير بإزالته، مع أن الدولة اللبنانية الحديثة قامت بالتزامن مع الأردن وأيضا بحكم تقسيمات سايكس - بيكو .

بل هي لا تجرؤ على شن تلك الحرب منفردة على لبنان، وتريد لآخرين أن يخوضوها معها إن لم يكن نيابة عنها.

والأهم الذي يجعل الموضوع مطروحا أن هاجس الحرب تشنها إسرائيل على لبنان أو تشنها لبنان عليها، تشغل تفكير الإسرائيليين ليل نهار لأنها تخشى المقاومة اللبنانية وامتداداتها من جهة، ولأن تلك المقاومة أورثتها أعمق جرح في كرامتها.

أي أن التهديد الآتي للبنان من جهة إسرائيل بات يتمثل في عنف الخائف وليس شراسة المستأسد.

أما نحن، فقصة الزيتون تثبت أن إسرائيل تنظر إلينا باعتبارنا «حديقتها الخلفية» حرفيا.. ولهذا هي تتخذ قرارها بوقف استيراد الزيتون التركي معتمدة على أن نتاج أرضنا من الزيتون متاح لها، وبسعر وأجور نقل أقل .. فهل غدا زيتوننا «داشر» - في استعارة من أبيات شهيرة لشاعر الأردن الكبير مصطفى وهبي التل وظف فيها المثل الشعبي القائل «زيتون بورما داشر وتعيّشوا ياهمل» لنقد الحال السيادي - أم أن الحكومة ستوقف «تعيّش الهمل» يهودا ووسطاء، من قوت الأردنيين ورمز تجذرهم في هذه الأرض منذ قرون؟؟

إسرائيل المحتلة لأعرق وأجود مزارع الزيتون في المنطقة لا تحتاج زيتوننا لقوت مستوطنيها (كل شعبها اليهودي مستوطن وليس فيه «مواطن» واحد غير اليهود السمرة الذين كانوا يعيشون في نابلس قبل عام 1948)، ولكنها تريده غنيمة احتلال تكرس نفسها وكيلة عالمية له، تصدر كبيسهُ وزيته الذي يدر عليها دخلا عاليا كون زيت «الأراضي المقدسة»، لنوعيته كما لـ «قدسيته»، يباع في أمريكا وأوروبا بأسعار تفوق إنتاج أية أرض أخرى.

ولهذا هي تحاصر إنتاج الضفة الغربية لدرجة تمنع فيها مجرد وصول «المونة المنزلية» من الزيت والكبيس لأصحاب المزارع الذين يعيش العديد منهم في الأردن، والتي نعرف مآسي تعامل إسرائيل معه منذ احتلالها للضفة.. تصادر ما تقدر عليه، وتثقب الصفائح وتهدر محتوياتها بحجة التفتيش الأمني.

ويبقى ذلك زيتون محتل لأن الأرض التي يضرب ذلك الزيتون جذوره فيها منذ قرون، باتت كلها محتلة . ولكن هذا الاحتلال لم يمنع، بل عزز، أن يصبح زيتون فلسطين رمز التمسك بالأرض، يعانق عجائزها شجرته ليفتدوها بأجسادهم من فعل الجرافات الإسرائيلية.. ونذكّر هنا بأن أرضنا الأردنية مستهدفة أيضا وعلنا، وبالتالي فإن رمزية زيتونها لا تقل أهمية.

ومؤخرا الزيتون أدخل في الصراع الإقليمي كمادة استراتيجية وكرمز سيادة عربي في مواجهة التهويد الجاري للأرض وتاريخها وما عليها وما يطلع من بطنها.

فسوريا، في عشية استبعادها لفرص المفاوضات غير المباشرة، واستبعادها أيضا لقبولها بالسلام مع إسرائيل حتى وإن انسحبت الأخيرة من كامل أرض الجولان التي تحتلها، اعتبرت ما سينجم عن ذلك الانسحاب، دون حل نهائي وشامل للصراع العربي الإسرائيلي يعيد الحقوق الفلسطينية كاملة، مجرد هدنة أو فك اشتباك.

وهذا وحده يسلط الضوء مكثفا على تحركات سوريا ورئيسها . ويـأتي هذا مع زيارة يقوم بها الرئيس الأسد لفنزويلا، في توسعة للتحالف الإقليمي القائم في مواجهة سياسات إسرائيل تلك ومحاولة تكريسه دوليا، والذي دخلته فنزويلا من باب النفط قبل حوالي العقد، وعززته مؤخرا في وساطتها المشتركة مع تركيا بشأن مفاعلات إيران النووية .. مما يزيد من الضوء المسلط على الحدث.

ولكن ما يضع زيتوننا في مقدمة الصورة بما لا يخدم الحكومة الأردنية أن تبقيه سؤالا معلقا ككل قضايا التطبيع، تتهرب من الإجابة عليه أو تجيب بكليشيهات مكررة لم تعد تجدي.. أنه في أعقاب قصة مقاطعة إسرائيل للزيتون التركي والتي تقف وحيدة في مواجهة مقاطعات تركية أهم لإسرائيل كونها تشمل ما كان من قبل تعاونا عسكريا واستراتيجيا، وأول أمس تحديدا وأثناء زيارة الرئيس بشار الأسد لفنزويللا، رفع شافيز زجاجة زيت الزيتون التي أحضرها له الرئيس بشار الأسد أمام الكاميرات وروج لها كما لا يمكن أن يفعل أحسن إعلان دعائي.

فتلك حركة مستجدة (كلقطة حذاء غورباتشوف أوحذاء منتصر الزيدي) سيتكرر عرضها بأكثر بكثير مما تلزم ضرورات تغطية لقاء الرئيسين.. وبهذا تكون زيتونة الأراضي المقدسة المباركة قد دخلت السياسة من باب دولي واسع ولافت، سياسي واقتصادي وإعلامي، يصعب بعده غض الطرف عن منبع ومآل زيتها المقدس الذي «يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار»!.
( الراية القطرية ) .


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات