سأعيش في جلباب أبي

تم نشره الخميس 01st تمّوز / يوليو 2010 06:32 صباحاً
سأعيش في جلباب أبي
ماهر أبو طير

ذرف دموعه وهو عند زاوية الحي ، بعد ان تم رميه في الظلام ، في حاوية قديمة ، ولولا أنين الرجل ، وصوت البكاء ، لما تنّبه له اهل الحي.

كان ثلاثة من اولاده قد حملوه وهو في التسعين من عمره ، من بيتهم ، الى اقرب حاوية ، والقصة حقيقية. اولاده الثلاثة انفاسهم حامضة من شدة السكر ، لم تحن قلوبهم عليه ، وهو يبكي ، وقد حملوه ، وارتحلوا به الى زاوية الحي ، ورموه شر رمية ، في تلك الليلة.

اهل الحي تجمعوا في لحظات بعد ان علموا بقصة العجوز ، وحين حاولوا رفعه من داخل الحاوية ، كان مؤلما ان يطلب منهم ان يتركوه ، فهذا جزاء طبيعي ، وفقا لتعبيره ، وحين جاء السؤال ساخناً ، تبدى الجواب بقول العجوز انه قبل ستين عاما حمل والده بذات الطريق ، وكان والده مريضا بحاجة الى رعاية لم يحتمل قرفها.

ارتجف واعترف بأنه ذهب بوالده يومها الى زاوية القرية المظلمة وكانت الدنيا رمضان ، وهو لا يصوم بل يتعاطى المشروب ، ايضا ، في عز الصيام ، ورمى والده ورماه عند مزبلة القرية ، تاركا اياه ليموت ، دون ان يرف له جفن ، بل انكر في اليوم التالي انه رمى والده ، هذه الرمية ، وادعى انه خرج ليمشي ومات في مكانه.

صعق اهل الحي من الرواية المفزعة ، والعجوز يبكي ويختنق ، والقمر شاهد على القصة ، وأقر بسر معاناته ، ويقول انه يدفع ثمن عقوقه لوالده ، وانه فعل ذات الفعلة مع والده ، مع فرق التوقيت ، اي ان القصة الاولى حدثت في رمضان ، لكنها ما غابت ، بل عادت مضاعفة ، ليعيد التاريخ نفسه ، وليحمله اولاده "السكارى" ويرموه ذات الرمية.

تسمع اليوم كل ابن يطيل لسانه على والده او والدته ، يتقعر وجهه ، في وجه والده او والدته ، يتلفظ بأسوأ الالفاظ ، يبخل على والده او والدته ، يخاف من زوجته ، ويعبد الدينار ، ربما ، ينتقد والده ، يتفلسف بشرح اخطاء والده ، وانه لو كان مكانه لفعل كذا وكذا ، ولا يعرف من يطيل اللسان على "السيد" الذي رباه ، انه يهوي الى قاع الدنيا والاخرة ، وان كشف الحساب لا يتأخر.

في التراث ان رجلا سكيراً عربيداً زانياً دخل الجنة ، لانه كان حين يعود الى غرفته التي فيها والده ووالدته وزوجته واولاده ، وهو في اسوأ حالة من شدة السكر ، يذهب لحلب الشاة ، ويدخل بالحليب الى الغرفة ويوقظ والديه من اجل ان يشربا حليباً طازجاً ، مع مطلع الفجر ، وحين يحاصره اولاده الصغار طلباً للحليب ، كان يرفض ان يمنحهم منه ، الا بعد ان يرتوي والده ووالدته ، والله عز وجل غفر له كل شيء ، لانه كان باراً بوالديه.

اذا ضاقت بك الدنيا فتذكر والدك ووالدتك ، وهل قصرت معهما ، راجع حسابك معهما مثلما تراجع كشف راتبك ، هل نفرت بهما بكلمة سوء ، هل قابلت احدهما بوجه عبوس ، هل اطلت اللسان عليهما ، هل نممت عليه او عليها مع زوجتك ، هل حرمته نعمة مما عندك ، هل اكلت شيئا ، لم يأكلا منه ، هل يحل لك اكل شيء لا يذوقونه ، هل زرتهما كل اسبوع او كل شهر ، بدلا من كل يوم ، هل اديت حق الله فيهما ، واذا ضاقت بك الدنيا فتذكر ان السر في الوالدين ، سر باهر ، وبيدهما ايضا المفتاح وكل المفاتيح.

قيل في المثل "لن اعيش في جلباب ابي" ، والقائل معذور ، لانه ولد عارياً ، ولم يحظ بتلك "الكسوة" من والده.
( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات