الفرصة الضائعة

برغم الجهود الحكومية المكثّفة والحملة الإعلامية والتأكيدات المتتالية على نزاهة الانتخابات المقبلة، والإصرار على عدم تكرار ما حدث في انتخابات العام 2007، فإنّ التقييم الرئيس لنسبة التسجيل للانتخابات ما يزال ضعيفاً، وفقاً للأرقام الرسمية، إذا تجاوزنا عدد الذين شاركوا في الانتخابات السابقة أصلاً.
مناقشة ضعف الإقبال على التسجيل لا تأتي، بالضرورة، من باب الشماتة أو التعريض بالجهود الحكومية، كما تفسّر ذلك مصادر رسمية، بقدر ما هي محاولة لدراسة الأسباب التي تقع وراء هذا العزوف الملحوظ، ليس فقط عن التسجيل للانتخابات، بل حتى عن النشاطات والفعاليات السياسية والشعبية.
بلا شك، فإنّ تراكم التجارب والخبرة السياسية لدى المواطنين خلال السنوات السابقة دفع إلى تجذُّر قناعة لدى القاعدة الواسعة العريضة بعدم جدوى التغيير من خلال صناديق الاقتراع، وساهم أداء مجالس النواب السابقة الرتيب والضعيف، وتحديداً المجلس الأخير، بتعزيز هذه القناعة.
الانتخابات السابقة، بدورها، كانت اختباراً مهماً فشلت فيه الحكومة بإقناع الناس بأنّ مسار النكوص السياسي سينعطف، وستكون هنالك استدارة تمنح زخماً ومعنىً حقيقياً للعملية السياسية، بدلاً من ذلك وضعت تلك الانتخابات جملة هائلة من الأسئلة على جدوى المشاركة ودواعيها، طالما أنّ هنالك أغلبية في استطلاعات الرأي العام ترى أنّ غياب مجلس النواب أفضل من بقائه، والنظر إليه فقط ككلفة مالية باهظة على خزينة الدولة ومواردها الشحيحة أصلاً!
الحق يقال إنّ الحكومة الحالية عملت جاهدة على تغيير هذه "الصورة النمطية"، من خلال تشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء نفسه، وتعيين ناطق باسم الانتخابات يحظى بمصداقية واحترام، وخطوات متعددة للتأكيد على تكرار تجربة العام 2007.
مع ذلك، فإنّ تلاشي تلك الصورة السوداء للانتخابات البلدية والنيابية السابقة، وتغيير القناعة المتراكمة عن جدوى العملية الانتخابية وأهمية مجالس النواب لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، فحجم التدمير والضرر الواقع كبيران، ويتطلب ذلك مزيداً من الوقت.
القضية الأخطر والأهم من كل ذلك وتمسّ معنى العملية الانتخابية ترتبط بقانون الانتخاب، الذي لم تحدث فيه الحكومة الحالية تغييرات نوعية حقيقية تحفّز الناخبين للمشاركة والتحرّك السياسي، وتعد بمجلس نواب مختلف عن صورة المجالس السابقة.
المحفّز الوحيد للمشاركة السياسية سيتمركز داخل المدن العشائرية، كالعادة، ومن زاوية المنافسة الاجتماعية التقليدية، لا التنافس السياسي على المصالح العامة والبرامج الانتخابية الحقيقية، وهو ما قد يسمح بوجوده وتخليق "مساحة حزبية" في الانتخابات والبرلمان المقبل، لو كان هنالك مقاعد مخصصة للقوائم النسبية على مستوى المحافظات، في هذه الانتخابات، وتوسيعها بصورة متدرجة وأكبر في الانتخابات المقبلة.
المؤشرات على نوايا الحكومة بانتخابات نزيهة متوافرة، ولا تعدم الحكومة جهداً في هذا النطاق، لكن الحكومة أضاعت من خلال قانون الانتخاب فرصة ذهبية لتسجّل في تاريخها أنّها أحدثت انقلاباً في مسار التراجع في الحياة النيابية وصورة البرلمان ودوره والقناعة الشعبية بجدوى المشاركة السياسية. (الغد )