ما بعد الاعتداء على أسطول كسر الحصار

المسؤولون وأصحاب القرار ليسوا بالضرورة من الباحثين والمحللين ، فلا بد أن يضع المحللون والباحثون أمامهم كل الخيارات المتاحة ، ليأخذوا منها ما يلائم أهدافهم ، بدلاً من أن يقولوا فيما بعد: كان يجب أن نفعل كذا.
بهذا المفهوم ُتصنع السياسة الأميركية والقرار الرسمي في مراكز البحث والدراسات ، حيث يجري إعداد السيناريوهات المحتملة ، ويستطيع المسؤول أن يأخذ بهذا السيناريو أو ذاك ، فهناك تميّز بين (صنع القرار) كعملية فكرية ، وبين (اتخاذ القرار) كعملية إدارية وسياسية.
هذا لا يعني أن الباحثين والدارسين موضوعيون ، يملكون الحقيقة المطلقة ، وهدفهم دائماً خدمة الحق والعدل والمصلحة ، فلديهم في أغلب الأحيان أجندات خاصة ، ورغبة في توجيه الأحداث باتجاهات معينة تخدم أجندتهم.
مارتن إنديك مثلاً مهتم بخدمة إسرائيل ، وهذا حقه كيهودي وصهيوني ، وكان قد عمل سفيراً لأميركا في إسرائيل فكان في الواقع سفيراً لإسرائيل لدى أميركا. وُعين في وزارة الخارجية بحجة أنه أقدر من غيره كيهودي في الضغط على إسرائيل. وهو الآن مدير فرع السياسة الخارجية في معهد بروكنز بواشنطن ، ُيعد سيناريوهات مغرية للإدارة الأميركية تخدم إسرائيل.
في مقال إنديك في التايم قدم للرئيس أوباما خارطة للسلوك في ظل أزمة عدوان إسرائيل على أسطول الحرية ، ويقترح ثلاث استراتيجيات ، تبدو منطقية وُمقنعة وتخدم إسرائيل.
الأولى: تشجيع التفاوض من خلال طرف عربي أو أوروبي لعقد صفقة بين حماس وإسرائيل ، تتعهد حماس بموجبها بوقف العنف ضد إسرائيل وعدم تهريب الأسلحة إلى غزة ، في مقابل رفع إسرائيل الحصار والسماح بتدفق السلع إلى القطاع بعد تفتيشها. فإذا أخلت حماس بالتزامها يعاد فرض الحصار ويقع اللوم على حماس. وفي نطاق هذا التفاوض يتم تبادل الأسرى وتحرير الجندي الإسرائيلي شاليط.
الثانية: نقل الاهتمام إلى الضفة ، وتقدم المفاوضات غير المباشرة ، بما يحسّن صورة إسرائيل ويقوي القيادة الفلسطينية ، ويشمل ذلك انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية التي أعادت إسرائيل احتلالها خلال الانتفاضة ، وإعطاء مثال لإمكانية السلام من خلال التفاوض السلمي.
والثالثة: تبريد الأزمة بين إسرائيل وتركيا عن طريق استئناف المفاوضات الإسرائيلية السورية غير المباشرة بواسطة الوسيط التركي الذي سيضطر لتحسين علاقاته مع إسرائيل.
لن نستغرب إذا شهدنا الإدارة الأميركية تتصرف بموجب خارطة إنديك. (الراي )