كارثة في خمس سنوات

من المسؤول عن وصول العجز في الموازنة الى هذا المستوى. وهل يفلت المقصرون؟
نَبّه اقتصاديون ومحللون الى خطورة العجز المتنامي في الموازنة خلال السنوات الاخيرة, لكن آخر البيانات التي كشفت عنها وزارة المالية أظهرت المنحنى البياني الخطير بعجز الموازنة.
الخلل بدأ عام 2005 واستمر في التفاقم حتى عام .2009 قبل ذلك التاريخ لم يتجاوز عجز الموازنة 250 مليون دينار »2004«, ثم تضاعف عام 2005 الى ان بلغ ذروته عام 2009 حيث وصل الى مليار ونصف المليار دينار وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الاردن.
من وجهة نظر خبراء المالية فان السبب هو خلل في اسلوب اعداد الموازنة القائم على المبالغة في تقدير الايرادات والمساعدات والتوسع في الانفاق الجاري بناء على تقديرات خاطئة.
لكن هذا تفسير فني واقتصادي بحت لا يكفي لتحليل ما جرى. فالخطأ في اعداد الموازنة يمكن ان يقع مرة واحدة ويجري تداركه, فكيف استمر الاسلوب ذاته خمس مرات, الم تكن هناك جهة رقابية مسؤولة تقرع الجرس؟ وكيف مرت موازنات السنوات الماضية في البرلمان؟
سياسيا ينبغي الانتباه الى ان حالة الفوضى والارتجال في اعداد الموازنة تزامنتا مع سيطرة فريق الليبراليين الجدد على مفاصل رئيسية في مؤسسات الدولة, فقد تنقل رموز هذا الفريق بين عدة مواقع, وخلقوا حالة غير مسبوقة في تاريخ الاردن عندما انشأوا حكومات ظل موازية للحكومات الدستورية وصادروا معظم صلاحياتها, فمقابل كل وزارة علنية كانت هناك وزارة ظل, وطال الأمر بالدرجة الاولى المالية العامة. وانعدمت ابسط قواعد الشفافية في ادارة المال العام والمنح والمساعدات والانفاق والتوسع في انشاء المؤسسات المستقلة وتوظيف اموال الخزينة في سياسات الاسترضاء وتقديم الرشى, وتنامت مظاهر الفساد في كل مرافق الدولة.
في السنوات الخمس الأخيرة سجلت تجاوزات مالية وسياسية لم تحصل في خمسة عقود مضت من تاريخ الاردن.
والمفارقة اننا في هذه السنوات ابرمنا اكبر صفقة في تاريخ الاردن لشراء الديون, وكان من الطبيعي بعدها ان تنخفض المديونية وعجز الموازنة, غير ان ما حدث هو العكس حيث زاد العجز وقفزت المديونية الى معدلات قياسية!
اليوم نواجه وضعا ماليا كارثيا لم تكن الأزمة الاقتصادية العالمية كما يقولون لنا السبب الرئيسي, فأزمتنا سابقة على ذلك وما نعانيه اليوم هو ما صنعته ايدي حكومات متعاقبة ومسؤولين سابقين وحاليين.
فالكارثة التي حدثت للاقتصاد الوطني لا يمكن ردّها لتقدير الله, وليس من الانصاف ان يدفع الاردنيون ثمن هذه الكارثة, بينما يفلت المسؤولون باخطائهم, ينبغي محاسبة هؤلاء واجراء تحقيق شامل شفاف وصريح يتناول كل المعطيات التي ادت بنا الى هذا الوضع, واسلوب ادارة الدولة وممارسة الحكم من طرف كل السلطات لا معنى ولا مصداقية. لكن الخطوات التي تتخذها الحكومة لمعالجة الأزمة الاقتصادية اذا لم تترافق مع مراجعة ومساءلة لما حدث في السنوات الخمس الاخيرة, بغير ذلك فما من ضمانة ان لا يخرج علينا مسؤول حكومي بعد سنوات ببيانات كارثية عن حقبة من سبقوه.
بعد اليوم لن يقبل احد بسياسة عفا عما مضى لأننا لن نعفو ولن نغفر. ( العرب اليوم ) .