صغار الفاسدين وكبارهم

تم نشره الأحد 04 تمّوز / يوليو 2010 06:08 صباحاً
صغار الفاسدين وكبارهم
ماهر ابو طير

ذات سنة ارتشى مشرف على "ورشة عمل" تقوم بتعبيد شارع بعشرة دنانير "اكرامية" مقابل تعبيد مدخل كراج لمواطن في تلك المنطقة ، على يد صاحب الكراج.

احد الذين شاهدوه يقبض العشرة دنانير ، ابلغ عنه مسؤوله والذي من فرط غضبه ونزاهته قام بتجميده عن العمل ، وتنزيل رتبته الوظيفية ، وحين شكى وبكى المشرف بحث عن "واسطة" لاقناع مسؤوله بأن يغفر له ماتقدم من ذنبه وما تأخر ، فوجد صاحب "سوبرماركت" متكرش وضخم الجثة يعرفه منذ زمن ، وسأله هل تعرف المسؤول الفلاني ، لأن لدي معه مشكلة ، فأجاب بالتأكيد انه يعرفه ، وسأله ما هي مشكلته ، فشرحها له بكل تفاصيلها.

ابتسم صاحب السوبرماركت بثقة لاتخلو من بلاهة ، ورفع سماعة الهاتف على المسؤول العفيف ، وقال له عليك ان تعيد فلاناً الى عمله ، وترد عليه رتبته الوظيفية ، لأنني شخصياً رشوتك بألف دينار ، قبل عامين من اجل تمرير معاملة لي ، وانت تبيع "الشرف والعفة" على المشرف البسيط ، فتعاقبه من اجل عشرة دنانير ، واذا لم تعده الى عمله سأعترف امام الجهات الرسمية بأنني رشوتك بألف ، وانك اخذت الرشوة.

المسؤول اياه ذعر من شدة الخوف ، واعتذر بصوت خافت واعاد المشرف الى عمله ، ليواصل هو الاخر ، قبض عشرات الدنانير ، فيما هو يقبض الآلاف ، وما بين الفساد الاكبر والفساد الاصغر ، تتشكل صورة مريرة اليوم ، بعد ان اخترقت "الرشوة" مؤسسات عديدة ، ولم تعد معاملة تسير على قدميها الا بدفع المعلوم ، او الالماح لاكرامية مقدمة او مؤجلة ، وتسعيرة الرشوات متنوعة ومتعددة ، وفقا لكل حالة.

تشريعات محاربة الفساد جيدة ، لكنها غير كافية ، فقد قيل مراراً اننا نريد احياء قانون من اين لك هذا ، بدلا من انتظار اللص حتى يسقط ، وعندها نسأله عن مصدر ثروته ، وفي الاردن فإن نوعا جديداً من الثراء قد استجد ، ليس له علاقة بالغنى التاريخي للعائلات ، ولا بالاغتراب ، ولاببيع الاراضي ، ولا بالتجارة الحلال ، وهو ثراء غير مفهوم وغير مبرر ، من حيث مصادره.

لم يعد كبار الفاسدين لوحدهم ، فصغار الفاسدين باتت اعدادهم كبيرة ، والجهات المسؤولة لو ارسلت من طرفها من يحمل معاملة فيها نقاط ضعف قانونية مع مبلغ معين ، لاكتشفت ان المعاملة ستمر بكل سهولة ، عبر كل الحواجز ، كفرس جامحة ، وفي لبنان باتت "الرشوة" تسمى حبة "الاسبرين" او "البنادول" كتعبير عن التسكين المؤقت للألم ، وعن القطران القليل مع رغيف الخبز.

الفساد الاصغر اخطر بكثير من الفساد الاكبر ، لانه ممتد وصغير وغير واضح وتحت السجادة ويتخفى بأقنعة كثيرة ، هذا الفساد الذي يبدأ بعشرة دنانير ويصل الى خمسين دينارا ، هو الابن غير الشرعي للفساد الاكبر ، وهو نتاج تزاوج الفقر مع قلة الدين.

لولا "الحيتان" في بحر الفساد لما رأينا سمك "السردين "في كل مكان والتنافس بينهما هو على من يقضم وجه الشعب اكثر.
 
الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات