الخروج من "الكهف"!

في سياق محاولة كسر الجمود في خطاب المعارضة وابتكار الأساليب الجديدة القريبة من الناس، هي تلك "الجدارية"، التي تقيمها المكاتب الشبابية في أحزاب المعارضة اليوم الاثنين، بالقرب من مسجد أبو درويش بالأشرفية، وتنحت فيها "هموم المواطن" مع الظروف الاقتصادية الصعبة، والمعاناة مع قضية الحريات العامة والابتعاد عن طريق الإصلاح السياسي.
الصدمة الحقيقية كانت بضعف مستوى الاستجابة الشعبية والسياسية مع الدعوات التي أطلقتها النقابات وأحزاب المعارضة للاحتجاج على ارتفاع الضرائب والأسعار. بالضرورة لن يستطيع أحد الزعم أنّ عدم التفاعل الجماهيري ناجم عن عدم الشعور بالضغوط الاقتصادية، فذلك لن تجد من يدّعيه حتى من الأوساط الرسمية.
ظاهرة "العزوف الشعبي" عن الاستجابة للنشاطات المنظّمة، لا تقتصر على الشأن الاقتصادي، بل نجد صداها أيضاً في استطلاعات الرأي المتتالية، التي تظهر "لامبالاة" بالتطورات السياسية والقوانين الجديدة، كقانون الانتخاب. فيما لا تزيد نسبة موضوعات سجالية تشغل مساحة واسعة في الإعلام، مثل الإصلاح السياسي، على 1 % من المهتمين في الرأي العام!
في المقابل، تأخذ صيغة الاحتجاجات الشعبية وحالة اللارضا صوراً أكثر عنفاً وبأسلوب الصدمة والترويع، من خلال الإضرابات والمظاهرات الغاضبة وأحداث الشغب، وتعكس فشلا مزدوجا لكلّ من السلطة والمعارضة على السواء في تأمين قواعد توافق سياسي تحتوي الاحتقانات وخيبات الأمل، وتدفع بالمدخلات كافة إلى داخل النظام، لاستيعابها ضمن المخرجات المتوقعة والمدروسة، تجنّباًَ للهبات والصدمات.
وكما تشي استطلاعات الرأي بأنّ هنالك "فجوة ثقة متنامية" بين الشارع والحكومات، فإنّ ظاهرة "العزوف الشعبي" تكشف بالقدر نفسه عن حالة من الملل الشعبي من الخطاب السياسي التقليدي للمعارضة، وفقدان الاتصال بين الطرفين.
في الآونة الأخيرة، بدأنا نرى محاولات جادّة ومتميّزة تحاول كسر هذا الجمود والقوالب الرتيبة من الخطاب السياسي للمعارضة والاقتراب في خطابها ولغتها وأساليبها من الشارع، والخروج من الكهف الأيديولوجي التاريخي، فتمكّنت حركة ذبحتونا خلال فترة قصيرة من أن تصبح "رقماً صعباً" في معادلة الجامعات وأن تملأ فراغاً هائلاً.
وعلى غرار ذبحتونا نرصد حركات أقل نجاحاً، لكنّها تمتاز بالتنويع والتجديد، كما هي حال "حركة الخبز والديمقراطية"، و"مشاركة عزاء"، التي أقامتها المكاتب الشبابية نفسها، وفي أغلبها ألمس شخصياً بصمات الناشط الحزبي المتميّز، د.فاخر دعّاس، من حزب الوحدة الشعبية، إذ يشي ذلك بجيل جديد من الشباب، يلتقط أزمة الخطاب الأيديولوجي وحالة القطيعة بينه
وبين الجماهير.