أبو الغيط والذهاب إلى مجلس الأمن لإعلان الدولة الفلسطينية

تكاثرت التقديرات بشأن المفاوضات كما لم يحدث من قبل خلال الأيام الماضية ، وسمعنا تصريحات متناقضة من هنا وهناك يضرب بعضها رقاب بعض ، فيما دخل وزير الخارجية المصري على الخط بتصريح لا نعرف ما إذا كان قد طرحه من بنات أفكاره الدبلوماسية ، أم أوحي له به من جهة أعلى؟،.
أبو الغيط قال في تصريحه إن العرب سيذهبون إلى مجلس الأمن في حال فشل المفاوضات بحلول أيلول القادم ، معتبرا أن ذلك "يستند إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1515 الصادر منذ ما يقرب من 8 أعوام".
وفيما نفى الطرف الرسمي الفلسطيني حدوث تقدم في المفاوضات غير المباشرة ، فقد ذهبت المصادر الأمريكية إلى غير ذلك ، بينما نظل في انتظار لقاء نتنياهو مع الرئيس الأمريكي يوم غد الثلاثاء.
ما الذي يمكن للمراقب أن يقرأه بين سطور هذا الجدل والتناقض في المواقف والتصريحات ، وهل ثمة جديد يلوح في الأفق ، أم أننا إزاء مسلسل طحن الهواء الذي تعيشه القضية منذ زمن بعيد تحت مسمى المفاوضات؟.
إن أي تحليل لمسلسل التفاوض لا يبدأ من سؤال الموقف الإسرائيلي يبدو عبثيا إلى حد كبير ، فقد ثبت عمليا أن أحدا لا يمكنه أن يفرض على الحكومة الإسرائيلية شيئا لا تريده ولا تقتنع به ، ومن كان يشك في ذلك سابقا ينبغي أن لا يتورط من جديد بعد فشل أوباما في إقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان في القدس.
نتنياهو قال أكثر ما عنده ، وقدم من "التنازلات" ما يستطيع في ظل ائتلافه اليميني ، وهي تنازلات لا يمكن أن تكون كافية للتوصل إلى صفقة نهائية ، ولذلك لم يعد لدى الطرف الإسرائيلي غير مشروع الدولة تحت الاحتلال الذي يأخذ مسميات شتى (الدولة المؤقتة ، الحل الانتقالي بعيد المدى ، السلام الاقتصادي) ، وهو مشروع يجنب الطرف الفلسطيني معضلة القول إنه تنازل عن الثوابت ، فيما يقدم للطرف الإسرائيلي الأمن والأمان معطوفا على الأمل بتحويل المؤقت إلى دائم بمرور الوقت مع بعض الرتوش البسيطة ، والنتيجة هي ما يشبه دولة تعيش نزاعا حدوديا مع جارتها "اليهودية".
هذا هو المشروع القائم على الأرض ، وهو المشروع الذي يصل سلام فياض والجنرال دايتون والعزيز توني بلير الليل بالنهار من أجل إنجازه ، وبالطبع بإشراف مباشر من قبل نتنياهو وحكومته بكل أطيافها (هل يعترض "المتطرف" ليبرمان مثلا على تدفق المساعدات للسلطة ، أو على مؤتمرات الاستثمار التي تعقدها ، أو بطاقات الفي آي بي التي تمنح لقادتها؟،).
المطلوب بالطبع أن يجري تخريج هذا المشروع بصيغة مدججة بالوطنية.
وإذا كان رئيس الوزراء قد وعد بإعلان الدولة نهاية آب من العام القادم ، وذلك كي تستكمل مؤسساتها ، فقد جاء أبو الغيط ليقدم الموعد إلى أيلول القادم ، الأمر الذي يثير الشكوك حول تصريح هذا الأخير ، اللهم إلا إذا رأى الأمريكان مصلحة في هذا الإعلان تمنحهم فرصة القول إنهم يريدون الدولة الفلسطينية ، مع العلم أن أي إعلان وأي اعتراف لن يغير شيئا في الوقائع القائمة على الأرض ممثلة في بقاء تلك الدولة تحت الاحتلال ، بينما يجري توسيع مساحتها برضا الاحتلال ، وبعد التأكد من قيام أجهزتها الأمنية بما عليها من مهمات في التصدي للمقاومة.
رئيس الدولة نفى بدوره غير مرة نية إعلان الدولة من جانب واحد ، فهو لا ينوي تحويل النزاع إلى نزاع حدودي بموافقة منه ، بل يفضل أن يبقى التقدم وفق الخطة المعتمدة ، التي تبدأ بالانسحاب الإسرائيلي إلى حدود نهاية أيلول عام 2000 ، وتنتهي بحدود الجدار الأمني.
في ضوء ذلك يمكن القول إن الحراك القائم لا يعدو أن يكون مقدمة لتحويل المفاوضات غير المباشرة إلى مباشرة ، وذلك من أجل تهدئة الوضع في المنطقة ، إذ من الصعب على أية إدارة أمريكية أن تعيش من دون عملية تفاوض خاصة بها ، فكيف حين تعيش ورطات من العيار الثقيل كما هو حال إدارة أوباما الذي يتوسل نائبه للإسرائيليين قائلا: "إن ما تفعلونه هنا يؤثر على جنودنا في العراق وأفغانستان"؟،.
الدستور